لماذا يكرهون أباءهم؟

في مجتمعاتنا، ونتيجة للموروثات الاجتماعية والعادات والتقاليد والقواعد الدينيّة، يتحتّم على الابن أن يطيع أباه ويحترمه بل والسعي لإرضائه وبرّه.
من جهة، فإنّ أغلب الأباء يستحقّون ذلك، بل كل ذلك لا يقارن بتضحياتهم وعطاءاتهم تجاه أبنائهم، ولكن بالرغم من ذلك لا نستطيع انكار شعور الكره الذي يشعره بعض الأبناء تجاه ابائهم مع العلم أنّهم في معظم الأحيان يكتمون هذا الشعور نتيجة القواعد المجتمعية التي ذكرناها سابقًا. وتعدّ العلاقة بين الأبناء وأبائهم من أهم العلاقات البشريّة وأكثرها تأثيرًا على شخصيّة الطفل، وبطبيعة الحال على شخصيّة الفرد الراشد. ويعود الحفاظ على علاقة جيّدة بين الأب والابن بالنفع على كليهما، فهي تخفف من ضغوطات الأب العاطفية والجسديّة، وتزيد من احترام الابن لذاته وتشعره بالسعادة والرضا عن حياته، كما تقلّل من نسبة السلوكيات الخاطئة المحتملة للأبناء وتحافظ على مسلكهم الأخلاقي.
أسباب عديدة قد تحرّك كره الأب لدى الأبناء ذكورًا وإناثًا، وقد يكون تقدير الأبناء لبعضها مبالغًا به أو غير صحيح، من أبرزها:

  • قسوة الأب وسوء معاملته لأبنائه أو لزوجته: فالقسوة والتعنيف الجسدي أو اللفظي تجاه الأبناء أو تجاه والدتهم عادة ما يكون سببًا رئيسيًا لتوليد مشاعر الكره لدى الأبناء، وربما الحقد والرغبة بالانتقام أيضًا.
  • تخلّي الأب عن مسؤولياته: سواء تركه أبنائه (زواج آخر أم سفر) دون تواصل أو اهتمام، أو بوجوده في المنزل لكن دون تحمّل مسؤولية، والبقاء مستلقيًا يشاهد التلفاز مثلًا، هذا النوع من الأباء عادة ما يُشعر بالكره تجاهه.
  • غياب الأب وانشغاله والحرمان العاطفي: كثيرًا ما ينشغل الأباء عن أبنائهم بالعمل، ولا يمضون أوقاتًا برفقتهم، أو يكونون بمثابة الحاضرين الغائبين دون ممارسة دورهم مع أبنائهم، أو تقديم الاهتمام والعاطفة لهم، ممّا يشعر الأبناء بالخيبة والحرمان من عاطفة وحنان الأب.
  • التعامل الخاطئ في مرحلة المراهقة: عادة ما تنشأ تغيّرات كبيرة على سلوك الأبناء وطريقة تفكيرهم في مرحلة المراهقة والتي قد تنعكس أيضًا على استجابة الأباء. وإساءة التعامل مع الابن في هذه المرحلة وعدم استيعابها تعتبر عاملًا حاسمًا في العلاقة والشعور بين الأباء والأبناء.
  • التمييز بين الأبناء: في غياب التعامل بعدل مع كل الأبناء، أو تفضيل أحدهم على الآخرين قد يوجد شعورًا سلبيًا لدى البقية، وسينتهي إلى أن يكرهوا والدهم، بل وأحيانًا قد يكره الطفل المميّز والده حين يعي نتيجة التمييز في التربية على إخوته.
  • سوء أخلاقيّات وسلوكيّات الأب: يكره الابن رؤية أبيه في حالات انحراف سلوكي، كشرب الكحول بإفراط أو لعب القمار أو تعدّد العلاقات النسائية أو تعاطي المخدّرات… كلّ ذلك ينمي شعورًا بالخزي والعار والكره تجاه ذلك الأب.
  • الاستهزاء بالأبناء والسخرية منهم: قد ترافق الابن مشاعر بغض وكره تجاه أبيه نتيجة استهزاء الأب بقدرات وإمكانيات الابن وسخريته منه وإهانته أمام الآخرين، خاصة أمام من هم في نفس سنه.
  • بخل الأب: مأساة الأب البخيل من التجارب القاسية التي عادة ما تنتهي بتوتر العلاقة بين الأب والأبناء، خاصة لأن البخل لا ينعكس فقط على الكماليات ورغبات الأبناء الثانوية، بل على صحتهم وتعليمهم وصورتهم الاجتماعيّة.
  • فرط السيطرة: إنّ حرمان الأبناء من مساحة من الحريّة والسماح لهم باستكشاف وتطوير ذواتهم خاصة في سنواتهم المبكرة والتحكّم المطلق بهم قد يسبب مشاكل كثيرة عند نضوجهم، فهم لن يغفروا حرمانهم من المشاركة بصناعة مستقبلهم.

لذلك الكره انعكاسات وآثار عديدة على حياة الأبناء، أبرزها:

  • يفقد الأبناء القدوة والمثال المحتذى به، والذي عادة ما يكون الأب، وذلك سيسبّب التخبّط بحثًا عن شخص آخر يتمثّلون به.
  • التأثير سلبًا على نمو الأطفال وتطورهم، فالدراسات تؤكد على العلاقة بين الصحة النفسية للأباء وتطور شخصية الأبناء ونموّهم. وبذلك فإنّ الأب القاسي أو الذي يمرّ بحالات مزاجيّة متقلّبة غالبًا ما يضرّ بصحّة أولاده النفسيّة.
  • تحكّم مشاعر الكره بخيارات الأبناء المستقبليّة، بحيث أنّه بمجرّد وصول الابن لمرحلة المراهقة سيبدأ باتخاذ خيارات هدفها التمرّدعلى سلطة والده، كترك المدرسة أو المنزل أو الاتجاه لسلوكيات منحرفة.
  • يعيش الطفل صراعًا داخليًا نتيجة الغيرة والحسد تجاه أقرانه الذين يعيشون علاقة جيّدة مع أبائهم ويمضون أوقاتًا سعيدة برفقتهم ويحصلون على الهدايا والعاطفة والرعاية منهم.
  • كره الأب قد يستمر طيلة حياة الأبناء الذين قد يهملون أباءهم في كبرهم، ويتخلّون عنهم في مراحل الشيخوخة.
  • يؤثر كره الأب على طريقة تعامل الأبناء مع أولادهم في المستقبل، بحيث قد يقدّمون صورة معاكسة كليًّا لذلك الأب المكروه أو على العكس تمامًا، يقدّمون صورة مستنسخة عنه.

ولتجنّب مشاعر الكره تلك والحؤول دون شعور الأبناء بها، على الأباء الابتعاد عن السلوكيّات المسبّبة لها، والوعي لطريقة التعامل الصحيّة مع الابن في مراحله العمريّة المختلفة، ومن أهم السلوكيات الصحيّة في التعامل مع الطفل تكون في قضاء الوقت برفقته، ومشاركته اللعب ومشاهدة التلفاز وإنجاز المهمات والضحك والمزاح. كذلك فإنّ الاهتمام بتفاصيل الأطفال يختلف عن الرقابة الأبويّة الصارمة، حيث يمكن مشاركة الحياة اليوميّة للطفل عبر السؤال عن يومه وعلاقته بأصدقائه والاستماع لحديثه. بالإضافة إلى التعبير عن الحب تجاه الأطفال سواء بالتعبير اللفظي، أو الفعلي عبر الهدايا والاهتمام أو التواصل اللمسي الذي يعتبر من لغات الحبّ لدى الأطفال.
وفي حال الانتباه للذات كأب على وجود حالات سلوكيّة ونفسيّة قد تؤثّر على العلاقة مع الأطفال، كالغضب والعصبيّة الزائدة أو إدمان العمل، ينصح بطلب المساعدة للتخلّص من تلك المشاكل.

الاخصّائية والمعالجة النفسيّة ريما كسر