تنميط المعايير الجمالية.. وسائل التواصل تفتك بالمجتمع!

تنميط المعايير الجمالية.. وسائل التواصل تفتك بالمجتمع!

يكاد يكون تصفّح وسائل التّواصل الاجتماعي الوسيلة الوحيدة لملء أوقات الفراغ لدى الملايين من الشابات. واحتلت وسائل التواصل تلك مكان التلفاز والمجلّات في التّرويج لصيحات الموضة والتجميل وفرض مواصفات جماليّة شبه موحّدة تلغي مظاهر الاختلاف بين الفتيات وطبيعة وجودها، وأهميّة ذلك الاختلاف بتمييزهن وفردانيتهنّ.

فعند تصفّح وسائل التواصل ومع متابعة كلّ ظهور لمشاهير السوشيال ميديا والمؤثّرين (influencers) تظهر عمليّات مقارنة لا إراديّة بين ما تشاهده الفتاة وبين ما تمتلكه. فالتأثير يبدأ باهتمام وجذب الانتباه وصولًا للشغف، مما قد يتبعه من هوس وإدمان اللحاق بموضة و(trend) عمليّات التجميل. وليس فقط الشكل الذي يرغبون بالتشبه به، سواء في الملامح أو شكل الجسد، بل حتى بعيش تلك الحياة “الورديّة” التي يرونها على مدار الساعة.

هؤلاء المشاهير يلعبون دورًا في مختلف المجالات، أبرزها الموضة والعمليات التجميلية التي يروّجون لها، كما ويشاركون تغاصيل حياتهم بحذافيرها. وأكثر ما يؤثّر في الفتيات (مؤثرات / influencers) هو التغيير في وجوههنّ وأجسادهنّ باستمرار وصولًا لنماذج استثنائية تصبح هاجسًا لدى مُتابِعات يرغبن بالتشبه بهن بأي طريقة، مع العلم بأنّ أغلب ما يُعرض على وسائل التواصل هو بعيد عن حقيقة المشهد، سواء بشكل الوجه والجسد أو طريقة العيش اليومية. فالشكل غالبًا ما يعدّل عليه بتطبيقات لتجميل الوجه وتنحيف وتعديل شكل الأجساد، بالإضافة إلى تمثيل وتصوير أسلوب حياة يومي بطريقة مُثلى، وفي نهاية الأمر يهدفون عرض محتوى بأجمل صورة وبمعايير غير واقعية وجذب عدد كبير من المتابعين.

هناك الكثير من الأبحاث والدراسات التّي تؤكّد على التأثير السلبي لهذا التناقض بين ما تروّجه وسائل التواصل الاجتماعي وما هو حقيقي، كذلك وجود علاقة وطيدة بين الصورة السلبيّة للجسم واضطرابات الأكل والوقت الذي يمضيه الفرد على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يصبح هذا الارتباط أقوى حين يتصفح الناس المحتوى المتعلّق بالمظهر الجسدي أو صورة الجسد من قبل المشاهير، حيث وجد الباحثون علاقة بين الإجراءات التي يقوم بها الأشخاص لتحسين مظهرهم ومقارنتهم أنفسهم بالأشخاص الذين يتابعونهم.

نتيجة لذلك، من السهل ملاحظة العلاقة بين مواقع التواصل الاجتماعي وارتفاع معدّل الأشخاص الذين يخضعون لعمليات التجميل من جميع الأعمار، فإذا ما ظهر نموذج جما للوجه (الذقن الطويل، الفك العريض، عيون القطة…) على وسائل التواصل، وتبنته مجموعة من المشاهير، سرعان ما يسرع الناس لتقليده، وذلك بتغيير وجوههم عبر التجميل (بالإضافة إلى ترويج وسائل التواصل الاجتماعي لأنظمة أكل مضطربة وذلك تحت مسميات الحمية والتخفيف).

نفسيًا، فإنّ متابعة الـInfluencers ومقارنة النفس بهم، غالبًا ما تؤدي إلى صورة جسد سلبيّة، وهذا عادة ما يكون سببًا في اضطراب القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل، فضلًا عن التسبب بالشعور بالخزي والدونية وعدم الشعور بالأمان تجاه الشريك والغيرة والإحباط وقلّة الثّقة بالذات، بالإضافة إلى احتمال الإصابة باضطراب تشوّه صورة الجسد، وهي الحالة الصحيّة النفسية التي تجعل الشخص يستحوذ عليه التفكير بمظهره، أو حتى يصبح مدمنًا على الجراحة التجميلية لتغيير مظهره.

لتجنّب تلك الآثار السلبيّة علينا التنبّه إلى أنّ ليس كلّ ما نراه حقيقي، والمؤثرون أنفسهم غير راضين كليًا عن صورة جسدهم، ولو كانوا كذلك لما قضوا أوقاتهم بتغييرها.

ونرى أحيانًا أنّ أكثر المشاهير جمالًا هم أكثرهم غير مقتنعين بشكلهم وأكثرهم عملًا على تغييره. كذلك فإنّ التشابه المخيف بين وجوه الناس على الانترنت، مثل الأنوف الصغيرة والشفاه الكبيرة وخطوك الفك الحادّة وعظام الوجنتين القوية، يشكّل محاولة لإقناعنا بأنّ شكلًا واحدًا فقط من الوجوه هو الذي يُعتبر جميلًا، وذلك بعكس الحقيقة والتي تتجلّى بأنّ الجمال متنوّع ولا يٌختصر في صورة وجه معيّنة ولا بلون معيّن، فكلّ شخص جميل بطريقته وبالأشياء التي تميّزه وتجعله فريدًا وتجعله مختلفًا وغبر تبعي.
بالإضافة إلى الانتباه إلى من نختار متابعته، والالتزام بمتابعة الأشخاص الحقيقيين والمنفتحين والصادقين، وتجنّب الأشخاص الذين يروّجون للاوهام.
صحيح أنّ وسائل التواصل الاجتماعي قد تؤثّر سلبًا على صورة أجسادنا، لكن بالوعي والنضج الفكري، مع امتلاك الثقة بالذات وكذلك تقدير الذات، يمكن السيطرة على ذلك التأثير وتوجيهه للاستخدامات الناجعة، ولا يضر أن تستخدم نصائح جمالية وعناية بالوجه والجسد طالما يندرج ذلك تحت خط الاعتدال والراحة النفسية وتقبّل الذات وفرادتها وعدم التبعية المطلقة لما هو (Trend).

الاخصّائية والمعالجة النفسيّة ريما كسر