لم يكن بيب غوارديولا بحاجة للفوز بدوري أبطال أوروبا مع مانشستر سيتي لإثبات علوّ كعبه كمدرب في عالم كرة القدم، لكنّه كان بحاجة له لإسكات كلّ المشككين بقدراته، فكلّ من كان يقول أنّ بيب صناعة ميسي، صناعة تشافي وانيستا، أنّه فشل في السيتي، سيعيد حساباته، لأنّ بيب حقّق المطلوب منه، ليس فقط أغلى البطولات الأوروبيّة، بل هو ختم موسم ٢٠٢٢ / ٢٠٢٣ بطلًا لثلاثية الدوري والكأس ودوري الأبطال.
ليلة السبت فاز مانشستر سيتي الإنجليزي على إنتر ميلان الإيطالي في نهائي دوري أبطال أوروبا بهدف يتيم، من توقيع الإسباني رودري، ليحقّق البلوز لقبهم الأوّل على الإطلاق في البطولة. المباراة لم تكن من أفضل مباريات السيتي هذا الموسم، وفاجأ النادي الإيطالي الجميع، وقدّم مباراة كبيرة، وتفوّق أداءً على منافسه في عدّة لحظات من المباراة، ولكن كما يقول المدرب جوزيه مورينيو -والذي تعتبره شريحة كبيرة من مشجعي كرة القدم منافس وخصم غوارديولا الأوّل على الأفضليّة- “النهائيّات تُكسب ولا تُلعب”.
توقّع الكثيرون قبل المباراة أن يسيطر أبناء مانشستر على مجرياتها، ولكن لطالما عاندت كرة القدم التوقّعات الّتي تُرسم على الورق، فكان الانتر ندًّا لبطل إنجلترا، ولم يكن فريقًا عاديًّا أبدًا، ولكنّها في ليلة العاشر من حزيران كافأت لاعبي ومدرب مانشستر سيتي على موسم تألّقوا فيه، فتوّجوا بأغلى الألقاب الأوروبيّة بدون أيّ هزيمة طوال البطولة.
أمّا بالعودة لبيب غوارديولا فهو قد أصبح أوّل مدرّب ينجح بتحقيق الثلاثيّة في أوروبا لمرّتين، الأولى كانت مع برشلونة موسم ٢٠٠٨ / ٢٠٠٩، والثانية مع مانشستر سيتي هذا الموسم، فأصبح بجعبته ٣٥ لقبًا في مسيرته كمدرب، رقم حقّقه بيب بعد ١٥ عامًا فقط على مقاعد التدريب، في حين عجز كبار المدربين عن تحقيقه بعد أن قضوا أضعاف هذه السنوات على رأس الأجهزة الفنيّة.
يعزو البعض نجاحات غوارديولا للّاعبين، وآخرون للأموال التي يصرفها في سوق الانتقالات، ولكن لا بدّ من أن يُسأل هؤلاء عن أندية امتلكت كوكبة من النجوم بقيادة مدربين بارزين، وفشلت في تحقيق المجد، وعن أندية اشترت لاعبين بلغت قيمتهم مئة مليون يورو، ومئة وخمسين ومئتين وأكثر، ولم يتألقوا ولم ينضجوا كما يحصل للّاعبين الذين يتدرّبون مع “الفيلسوف الإسباني”.
من يريد أن ينسب نجاحات السيتي بقيادة بيب للمال فقط وللصفقات الكثيرة فهو يرتكب خطأ فادحًا بحق كرة القدم أوّلًا، فلو كانت الأموال وحدها كافية للفوز بالبطولات، فلماذا لم ينجح غلاكتيكوس ريال مدريد بالتتويج بدوري الأبطال، ولماذا يفشل باريس سان جيرمان في هذه المهمّة حتّى اللحظة؟ ففي السيتي الأموال هي وسيلة فقط، وسيلة تسهّل على مدرب كغوارديولا مهمّته، لكنّها لا تغني عن ذكائه وحنكته، حنكة لا تُقاس فقط بمباراة واحدة، بل بموسم نجح خلاله بتقليص الفارق الواسع مع أرسنال والعودة للظفر بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، فالكأس، ليختمه بالأبطال، لا بل بكلّ ما حقّقه منذ انتقاله إلى عالم التدريب حتى اللحظة.
في مانشستر سيتي هناك منظومة، هناك خطّة بناء وعمل، وإدارة ومدرّب لا يركضون خلف الأسماء الرنّانة، بل خلف لاعبين يحتاجهم الفريق، وينتدبون من يخدم هذه المنظومة ويكمّلها ويتناسب معها. في مانشستر سيتي هناك مشروع يُبنى ويُطوَّر، فكان لا بدّ للبطولات من أن تقرع أبواب الفريق.
نعم، من العدل أن يُتوَّج مانشستر سيتي بقيادة بيب غوارديولا بلقب دوري أبطال أوروبا، لا لأنّهم كانوا الطّرف الأفضل في النهائي، بل لأنّهم كانوا الأفضل طوال الموسم، كان لا بدّ لكرة القدم من أن تنصف من أظهرها بأبهى صورها لمواسم ممتاليّة. وهي إن كانت قد ظلمت إنتر ميلان في تلك المباراة، فكما ذكرنا “النهائيات تُكسب”، ولتفوز في كرة القدم عليك أن تسجّل، وهذا ما فشل فيه الفريق الإيطالي، بسبب رعونة مهاجميه حينًا وبسبب تألّق حارس الخصم في أغلب اللقطات، ولكن إذا ما استمرّ الإنتر على هذا النحو في المواسم المقبلة، فإنّ كرة القدم ستنصفه لا محال.
وأخيرًا… ابتسمت الملعونة ذات الأذنين لبيب وللسيتي…