سرّ تعلّق الفتاة بأبيها

عادة ما نسمع مقولة “البنت حبيبة أبيها والولد حبيب أمّه”، والشائع في الأمر بالفعل أنّ البنت تميل في صغرها لوالدها وتبادله مشاعر الحب والحنان بشكل أكبر من أمّها، بينما يميل الولد إلى أمّه ويتودّد إليها. ولا يسري هذا الأمر في جميع الأسر، فهناك بعض الأباء يفضّلون الأبناء الذكور على الإناث نتيجة الأفكار المتوارثة والتقاليد الاجتماعيّة، ممّا يؤثّر على علاقتهم ببناتهم فيما بعد.
فحبّ الابنة غير مشروط عندما يتعلّق بعاطفتها نحو والدها، الرجل الأوّل في حياتها. وحين يُطلب من الفتاة الاختيار بين والدتها ووالدها، تختار كليهما، لكنها في أعماقها تعلم أنّ الجواب هو الأب دائمًا، فهو من دلّلها منذ نعومة أظافرها، وطبيعة والدها وطريقة تصرّفاته لهما الأثر الأكبر في تكوين شخصيّتها.
أمّا بالنسبة لأسباب تعلّق الفتاة بأبيها فهي عديدة، أهمّها:

  • انجذاب الأضداد: أثبتت استطلاعات للرأي شاركت فيها الأمّهات والأباء، تفضيل الأمّهات التّعامل مع الذكور، وأنّه من الأسهل الاندماج معهم عن الإناث، وأنّ الأباء يفضّلون تربية الإناث عن الذكور من خلال تجاربهم مع أطفالهم. وإنّ الإجابة الأكثر منطقيّة عن سبب حبّ البنات لأبائهم هي طبيعة الجنس الآخر وأنّ الطرفين المتضادين يتجاذبان بحسب القاعدة الفيزيائية.
  • عدم وجود التنافس بينهما: عادة تنظر الفتاة إلى أمّها على أنّها منافسة لها، فهي ترغب في ارتداء الفستان نفسه وتقلّد تصرّفاتها، وهذا الإحساس لا تشعر به الفتاة مع الأب، لأنه لا يتنافس معها، فبالتالي يكون الرابط العاطفي بينهما أقوى.
  • الأب مصدر الأمان والقوة: يترسّخ دائمًا في الأذهان من الصغر بأنّ الأمّ هي رمز الحنان وأنّ الأب هو مصدر الأمان، فالأب بالنسبة للفتاة هو الذي يستطيع حمايتها من المخاطر، فهو مصدر القوة، والبنات غالبًا ما يشعرن بالضعف، والقوة أكثر ما تبحث عنه الفتاة، وتجدها في والدها.
  • الأباء يعزّزون الثقة: عندما تشعر الفتاة بالخوف، تساعدها والدتها على تجاوز هذا الشعور، إنّما والدها هو من يجعلها تتغلّب عليه، هناك الكثير من التشجيع والثقة لطفلته، ففي حال وجود القليل من المخاطرة في أي شيء تفعله الابنة، فإنّ الأمّ تُظهر القلق، لكن الأب غالبًا يظهر الثقة، وعادة ما ترث الفتاة مواقف والدها لاحقًا في مواجهة مشكلات حياتيّة.
  • تدليل الأبّ لابنته: فالأب يتعامل مع الفتاة بطريقة أسهل من التعامل مع الصبي نظرًا لأنّها الأضعف والأنعم والأكثر حساسية بنظره، على عكس الصبي فهو يحاول أن يقسو عليه نوعًا ما بهدف تقويته وتحميله للمسؤولية. وعادة ما يسامح الأب الفتاة بشكل أسرع من الفتى ويراها أكثر من يطيعه، وهذا يُشعر الأبّ بأنّ التعامل معها أسهل وبالتالي يميل لها.

ونضيف إلى كلّ ذلك نظريّة Freud حول ما أسماه (العقدة الأوديبيّة الأنثويّة، والتي أسماها لاحقًا Jung بعقدة إليكترا (Electra complex)، وهو المصطلح في التحليل النفسي الذي يُستخدم لوصف التعلق اللاواعي للفتاة بوالدها بين عمر ٣ و٦ سنوات والتنافس مع والدتها على مشاعر أبيها، فتشعر الفناة بالغيرة من أمّها وتبدأ بإظهار سلوكيات المودّة تجاه الأب، وقد تظهر عداوة للأم ومحاولة لإبعادها واحتلال مكانها، وبعد ذلك وحين تفشل بالإبعاد تقوم الفتاة بالتشبه بأمّها واكتساب عاداتها وسلوكياتها والتقرّب منها، مع الإبقاء على مشاعر الحب والإعجاب والتقدير للأب.

ويعد الأبّ “البطل” بالنّسبة لابنته دون منازع، حيث يمثّل “الرجل الأفضل والأقوى والأجمل” في العالم بالنسبة لها، وتلجأ إليه لأنّه يدلّلها ولا يقسو عليها ولا يرفض لها طلبًا. وفي مرحلة الطفولة هذه يلعب الأب أيضًا دورًا بارزًا في تكوين شخصيّة ابنته ويساعدها في بناء ثقتها بنفسها، وهي تتطور بحسب نظرته إليها وتشجيعه الدائم لها في مختلف قراراتها وتفهّم حاجاته.
ليس كل ما يُقال من أمثال ومقولات شعبية هو خاطئ، فالفتاة “سر أبيها” يبدو أنه مثبتًا بالفعل والتجارب، ومبنيًا على أسباب موثّقة علميًا. يبقى الأهم أن يحسن الآباء وتحسن الأمّهات التعاطي مع أبنائهم بالطريقة السليمة دون اغراق في “الدلع” ودون قسوة وحرمان جاف.

ريما كسر – أخصّائية ومعالجة نفسيّة