يقول أنطون سعاده “الأدب هو حصول ثورة فكرية روحية مادية، اجتماعية، سياسية، تغيّر حياة شعب بأسره”، وهو إذ ينطلق من هذه الفكرة، في الوقت الذي كان فيه التجديد في الأدب العربي في بداياته، وكان الخلاف على أشدّه بين المعارضين والموالين، جاء سعاده للتأكيد على فكرة “الثورة” الفكرية، ولم يتحدّث هنا عن “النهضة” التي عهدناه يبني عقيدته على أساسها، لأنّه كان يعي أنّ ما يشوب بلادنا من الناحية الفكرية، ومنها الأدب، لا بدّ وأن يبدأ التغيير فيه، وإن لم يكن على أسس واضحة، وخطط مرسومة، لأنّ المبدع يحتاج إلى هذه النوع من الحرية، حيث لا يمكن لأيّ مفكّر أو ناقد أو فنّان، أن يدّعي أنه قادر منفردًا على وضع تلك الأسس الجديدة.
ننطلق من هذه المقولة لنقول أنّ مفكِّراً نهضويّاً مثله، أسّس لمسار جديد من أجل وحدة بلاده النفسية والسياسية والاجتماعية، لم يكن بعيداً عن الإبداع والفنّ، وهو الذي لديه محاولات في الأدب اعتمدها لتدعم مساره الجديد ذاك، ووجّه بعض المبدعين وزوّدهم بموضوعات وقضايا يطرحونها من أجل دعم المسار نفسه أيضاً، ولكن لم يُكتَب له الاستمرار، ولم يكتب لحزبه الاستمرار أيضاً في الكثير من المسارات، حيث تعثّر هنا ونجح هناك، وسيطرت أحياناً حالات من التخبّط والضياع.
أمّا وأن يُطلِق أبناء عقيدته جائزة أدبية بإسمه، والتي تحتفي بيروت غداً بإعلان الفائزين بدورتها الثانية، فهو أمر غريب من جهة وواقعي وعاديّ من جهات أخرى، الغريب في الأمر أننا لم نسمع أنّ الحزب ركّز يوماً على الثقافة والأدب تركيزَه على السياسة والعمل المسلّح المقاوم، ولكنك تدرك أنّ الأمر مرتبط بحاملي الراية، وهم الآن ثقاةٌ، خبيرون بالمجال، مبدعون في مجالاتهم، صادقون في عملهم، وجدانيون في خياراتهم.
لقد أطلقت عمدة الثقافة والفنون الجميلة الجائزة منذ سنتين، وتم الإعلان عن الفائزين بفئاتها الثلاث، وتم إصدار كتبهم خلال العام الماضي، “جائزة أنطون سعاده الأدبية 2023″، تعلِن غداً مساءً في احتفال في مسرح المدينة في بيروت أسماء الفائزين بفئاتها التي أصبحت أربعة، الرواية، الديوان الشعري، النصّ الشعري عن سعاده، والمسرحية.
إنّ العمل على مشروع جائزة أدبية في الأوضاع التي تمرّ فيها بلادنا، قد يعتبره البعض ترفاً يجب ألّا يكون من الأولويات، وأنّ الهموم الأكبر هي التي علينا الاهتمام بها ومعالجتها، ولكننا نقول، هذه الشعارات سمعناها كثيراً، وصدّقناها أحياناً، فخلصنا إلى نتيجة واحدة، لم يحصل أيّ تغيير لا هنا ولا هناك، بل العكس، كنا نسير انحدارًا نحو القاع.
من هنا نقول إنّ الفنّ، الأدب والرسم والنحت والموسيقى والرقص والمسرح، ضرورات حياتية بأهمية الاحتياجات الأساسية، وليست ترفاً، وأنتَ عندما تدعم المبدعين، تكون تضيء شمعتكَ الخاصّة في ظلام بلادنا الدامس.