قد يكون الشعور بالذنب هو شعور مشترك بين العامة من الناس، فـ”يواخذ” الانسان نفسه دومًا على تصرّفاته ويراجع حساباته ما اذا كانت قد مسّت بمشاعر أو مصلحة أحد، وهنا ربمّا يكون هنا المرء مخطئًا، أو مبالغًا في وضع تبعات لكل تصرّف وسلوك، فهل هناك أنواع من الشعور بالذنب، وكيف نفرّق بينها؟
الشعور بالذنب هو عبارة عن ألم نفسي يشعر به الفرد داخليًا، على هيئة حوار بينه وبين ذاته، أو حوار بين الأنا الأعلى والأنا (بلغة علم النفس)، يناقش ارتكاب المرء للذنوب والأثام، وقد تكون هذه المشاعر وهميّة مبالغًا فيها، فلا هي ترتبط بخطأ واضح ولا واقعي. كما أنّه يتسبّب في تحويل نظرة الإنسان إلى ذاته سلبًا فيميل إلى تحقيرها والاشمئزاز منها.
فالشعور بالذنب بالمبدأ، هو شعور ضروري للتكيّف مع البيئة الاجتماعية في حال كان ينتج عن فعل خطأ ما، فيساعد على إدراك الضرر جرّاء ذلك الفعل والحث على القيام بعمل ما لحلّ مشكلات عواقب ذلك الخطأ. ويتوقف الشعور بالذنب على أداء وظيفته الفعّالة والإيجابيّة عند الشعور به دون سبب، وبذلك يصبح بلاءً ومسبّبًا لاضطرابات نفسيّة وجسديّة في حال استمراره.
يقول هنا الكاتب والمعالج النفسي “جاي ويتش”: “القليل من الشعور بالذنب يفيدنا، بينما قد يسبّب الكثير منه فسادًا وفوضى.
وبذلك يتّضح أنّه يوجد نوعان من الشعور بالذنب:
- الشعور بالذنب الصحي: بمعناه الإيجابي هو المشاعر التي تنتاب الفرد نتيجة فعل ما أو قول ما لا يتوافق مع (الأنا المثالية) الخاصة بالفرد، أي ما نود أن نكونه أو نتطلّع إليه والذي نجد أنفسنا باستمرار في مواجهة معه، أو لا يتوافق مع (الأنا الأعلى) أي مع سلّم أخلاقياتنا ومبادئنا ومعتقداتنا التي نشأنا عليها واكتسبناها من العائلة والبيئة المحيطة. وهنا يقوِّم الشعور بالذنب المسار السلوكي والتفكيري للفرد، بحيث يدفعه للتصحيح وبالتالي الرضا النفسي وخفض القلق الناتج عن ذلك الشعور.
- الشعور بالذنب المرضي: وهو الشعور بالذنب المستمر والذي يصحبه جلد الذات دون سبب واقعي، أو تضخيم لعواقب فعل ومبالغة في تقدير الموقف حيال أمر ما، وبذلك يصبح الشعور مدمّرًا ومسبّبًا للشلل السلوكي.
وعندما يكون الشعور بالذنب قويًا جدًا أو ثابتًا جدًا يمكن عندها أن يظل الشخص عالقًا في الأفكار وذكريات الأفعال التي أضرت بالآخرين أو الاستياء من الانجازات التي لم يتمكنوا من القيام بها كما أن تضرر شخص ما لسنين طويلة يجعل منه جلادًا لذاته، ويمكن أن يشعر هذا الشخص بالذنب حيال أي موقف قال به “لا” حتى يصل لمرحلة عدم قدرته على قولها حتى لو كان عدم قولها مسببًا له بالانزعاج والضرر.
ومن الممكن أن تكون أسباب شعور الذنب المرضي كالتالي: - التربية الخاطئة: وذلك من خلال مبالغة الأهل في ردود أفعالهم تجاه أخطاء الطفل وتوبيخه الدائم نتيجة أبسط هفواته، بالإضافة إلى غرس المقارنات مع الآخرين ورسم المعايير بين الجيد والسيئ وفرض الأعراف الاجتماعيّة مع تضخيم عواقب المس بتلك المعايير، بالإضافة إلى سعي الأطفال الدائم لإرضاء والديهم دون الحصول على تقدير مناسب.
- المدرسة: قد يواجه الطفل في المدرسة توبيخًا ومعاقبة على أفعاله بطريقة مؤذية دون تناسب لغة العقاب مع السلوك، ودون تعديل حتى يتمكن الطفل من الاستمرار في التعبير عن نفسه بحرية.
- التجارب المؤلمة: فإنّ مشاعر الذنب المرضية عادة ما تستند إلى تجارب مؤلمة وتجارب علاقات سلبيّة يتخلّلها عداء تجاه الذات وقد ترافق تلك المشاعر الشخص طوال حياته.
بالإضافة إلى أنّ بعض الاضطرابات النفسية تتضمن شعورًا بالذنب مثل الوسواس القهري والرهاب والإدمان واضرابات الأكل.
أما أضرار الشعور بالذنب على الصعيد النفسي فتتجلى في عدم الاستقرار العاطفي نتيجة عدم الشعور بالأمان، بالإضافة إلى قلة المبادرة خوفًا من ارتكاب الأخطاء. كذلك بصعوبة قول “لا” والحاجة للإرضاء والاعتذار المتكرر والخوف من الرفض والنقد الذاتي والمقارنات. ويترافق أيضًا مع شعور الذنب عادة تدني احترام الذات والنقد الذاتي وقد يصل أحيانًا للعزلة.
كذلك فإنّ الشعور بالذنب المرضي ليس فقط مضر بالصحة النفسيّة بل بالصحة الجسديّة أيضًا. فالتعرّض للتوتّر نتيجة الشعور بالذنب قد يسبّب الصداع وألام الظهر، بالإضافة إلى أمراض القلب والأوعية الدمويّة واضطرابات الجهاز الهضمي. ويمكن مع مرور الوقت أن يكون له تأثير على جهاز المناعة.
هناك نصائح تساعد على العلاج الذاتي من مشاعر الذنب أهمّها:
1- تحليل المشاعر وتحديد الأطراف: في حال وجود مشاعر ذنب تجاه أشخاص معيّنين، يُنصح بالتحدّث معهم والاعتذار في حال وجود خطأ، أمّا إن كان وجودها تجاه الذات يجب تحليل التصرفات التي تسبب هذه المشاعر ومدى القدرة على تسوية الأمر. بالإضافة إلى ملاحظة الأفكار والمفاهيم التي تجعلنا نشعر بالذنب والرجوع إلى جذور هذه المشاعر لفهم حقيقتها والتحكم بها أكثر.
2- النظر إلى الأمور من بعيد: في الكثير من الاحيان، يكون كلّ ما يحتاجه الشخص هو أخذ استراحة والنظر إلى الأمور من بعيد وتحليل الحدث الذي أشعره بالذنب بعقلانية وهدوء وفي أغلب الأحيان يفهم بأنّه ليس مذنبًا.
3- التفكير بالمستقبل: عادة ما يشعر الشخص بالذنب بعد فوات الأوان، وبدل الوقوف على الأطلال عليه التفكير بالمستقبل وبما ستكون عليه الأمور، وعدم التعلّق بالماضي الذي سيغرقه أكثر بالشعور بالذنب.
وفي حال العجز عن علاج الشعور بالذنب بشكل ذاتي لا بد من الذهاب إلى المعالج النفسي المتخصص لإيجاد حلول جذرية.
في الحقيقة يمكن النظر إلى الشعور بالذنب كصفة إيجابيّة ومهمّة في شخصية سوية تستطيع التحكّم بعواطفها وفهم مشاعرها بصورة جيدة، بل انعدام التعاطف وفقدان الشعور بالذنب أجدر بالعلاج من الشعور بالذنب. لكن عندما تصل مشاعر الذنب إلى حدّ مؤرق فنحن أمام حالة بحاجة لمساعدة نفسيّة، وتختلف درجة المساعدة بحسب سيطرة مشاعر الذنب على الشخص ومدى تأثيرها على حياته ومدى عمقها وارتباطها بأفكار ومفاهيم راسخة عنده.
ريما كسر – أخصّائية ومعالجة نفسيّة