إلى جانب الأكاذيب الأمريكية حول مكافحة الإرهاب الأصولي، ها هي واشنطن تستعد لتبرير احتلالاتها وإعادة انتشارها في الشرق الأوسط بمكافحة المخدرات، وتجري تغييرات على جهازها الدبلوماسي ليتناسب مع ذلك على غرار ما فعلت عبر عقود طويلة في أمريكا اللاتينية.
بخصوص المكافحة الأمريكية لعالم المخدرات، لا أحد يتحدث عن هذه المكافحة وغسيل الأموال والإرهاب أكثر من الأمريكيين، ولا أحد مثلهم يخلط بين كل ذلك وبين السياسية والدبلوماسية، بدءا من أمريكا اللاتينية وانتهاء بأفغانستان والشرق الأوسط، كما لو أن الولايات المتحدة من بين كل الدول والجماعات أخذت على عاتقها هذه المهمة، وراحت توجه الإعلاميين والسياسيين التابعين لها في كل مكان، لربط خصومها، دولا وجماعات بهذه التجارة السوداء.
من المؤكد أن عالم المخدرات وغسيل الأموال والإرهاب كما إملاءات البنك الدولي، آفات اجتماعية يجب التصدي لها وعدم التسامح بشأنها، وانطلاقا من ذلك يجب إضاءة كل ما يتعلق بها والتعبئة ضد المراكز التي تديرها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
هل نتجنى على هذه الدولة الإمبريالية ودموع التماسيح التي تذرفها صباح مساء من أجل عالم بلا مخدرات وبلا إرهاب، وهل نبالغ في اتهامها ونتصيد بالماء العكر لأننا جزء من معسكر الكارهين لواشنطن التي تحظى بكراهية كل شعوب الأرض، أم أن الوقائع بحد ذاتها تكفينا ذلك:
- من لا يعرف أن عالم المخدرات ملازم تماما لعالم غسيل العملة وبنوكها التي لا تستقبل ولا تحول دولارا واحدا دون غطاء أمريكي، ومن لا يعرف أن واشنطن مولت كل الجماعات الإرهابية من هذه التجارة السوداء.
- كيف تفسر واشنطن موجات الأفلام السينمائية التي تبثها هوليود حول هذا العالم داخل الولايات المتحدة نفسها، أم أنها تبالغ هي الأخرى في تصوير أوساط أمريكية ورجال الشرطة بالذات كمجتمع من الفاسدين والمرتشين والمتعاطين، وللتذكير نتحدث هنا عن أعمال وأسماء سينمائية معروفة كرست موهبتها لذلك مثل كوبولا في العراب، وسكورسيزي في معظم أعماله.
- كيف تفسير واشنطن الجلسة التي خصصها الكونغرس الأمريكي مؤخرا لتقرير يناقش تزايد نسبة الجريمة بكل أشكالها في العاصمة الأمريكية نفسها وارتفاعها إلى 40% قياسا بالعام السابق، ومثل ذلك التقارير السنوية المذهلة حول الداخل الأمريكي عموما من حيث نسبة الجرائم المرتبطة بهذا العالم مع تبعاتها على الوسط الاجتماعي.
- لماذا لم ترد حتى الآن على الكتاب الذائع الصيت، جيش الليل، والمقصود جيش المخابرات الأمريكية في كل العالم والذي يقدم مئات المعطيات عن تورط وكالة الاستخبارات الأمريكية في عالم الجريمة المنظمة، ومثل ذلك ما جاء في اعترافات ضابط الموساد الإسرائيلي فيكتور اوستروفسكي في كتابه (طريق الخداع) ودور المخدرات في تمويل نشاطات الموساد بغطاء أمريكي.
- ما هو رأي الأوساط الأمريكية المعنية بعشرات الكتب والدراسات الأمريكية التي تؤكد أن السياسيات الأمريكية بالذات هي التي أطلقت عالم المخدرات والإرهاب وغسيل الأموال، سواء من خلال السياسات العنصرية داخل أمريكا نفسها كما من خلال التجويع والإفساد المبرمج عبر البنك الدولي والخصخصة والليبرالية المتوحشة وتسويق فلسفة السوق كمعيار وحيد للاقتصاد والسياسة في العالم.
- ما هو رأي الأوساط الأمريكية بالعمل الموسوعي الهام جدا لكاتب أمريكي مرموق، هو توفلر، وهو ليس شيوعيا ولا بعثيا ولا من حزب الله ولا من رجال المخابرات الروسية والصينية، في كتابه (تحول السلطة) يتحدث توفلر عن مستقبل آخر للعالم من نتائج وتبعات الرأسمالية نفسها، تتزامن فيه الثورة المعلوماتية الرابعة مع عالم الجريمة ولاعبين من المافيات والأصوليات التكفيرية.
وثمة الكثير مما يقال ويستخلص منه أن دهاليز المخدرات وأنواعها وعوالمها ورجالها ومصانعها، تولد ابتداء من شمال المدارات الرأسمالية، حيث استقر القتلة البيض الأوائل وتوزعوا بين تجارة جلد البوفالو وتجارة فروات الرؤوس البشرية من الهنود الحمر.
أما بخصوص المكافحة الأمريكية للإرهاب التكفيري، هل كان الرئيس الأمريكي السابق، ترامب، يكذب عندها قال جهارا نهارا أن الجماعات الإرهابية التكفيرية صناعة أمريكية، وإذا كان هذا الرئيس الجمهوري يناكف الحزب الديموقراطي المنافس، ماذا عن اعترافات الديموقراطية هيلاري كلينتون.
ماذا عن التفاصيل التي أوردها الكاتب البريطاني، كورتيس، في كتابه (التآمر الغربي مع الأصوليين) وفضح فيها دور المخابرات الأمريكية والبريطانية في إنتاج الحركة التكفيرية على مدار عقود كاملة، من دور شركة الهند الشرقية البريطانية وقلم الاستخبارات فيها في التقاط الحركة الوهابية ودعمها، إلى دور شركة قناة السويس البريطانية والتقاط جماعة الإخوان المسلمين ودعمهم، إلى دور المخابرات الأمريكية في إنتاج الظاهرة التكفيرية الأفغانية وتوسيعها ضد موسكو ثم إلى إطلاق الفوضى الهدامة في الشرق الأوسط.