“سنبقى أوفياء حتى تبتسم لنا السماء” كان شعارهم، وبعد ثلاثة وثلاثين سنة ابتسمت لهم السماء بسبب وفائهم.
إنّهم جماهير نابولي المجانين، مجانين بحبّ ناديهم نعم، فمن شاهد الاحتفالات التي اشتعلت في المدينة الجنوبيّة بعد تحقيق النادي لقب الدوري الإيطالي لموسم ٢٠٢٢ – ٢٠٢٣ بشكل رسمي لا يمكنه سوى وصف أبناء الجنوب بالمجانين بحب نابولي وحبّ كرة القدم، لدرجة أنّ الكهنة في الكنائس في اليوم التالي بدأوا مراسم الصلوات بترداد أغاني نادي نابولي لا الترانيم والدعوات الروحية.
وإن كان الفضل في تحقيق اللقب في المرة الأخيرة، عام ١٩٩٠، يُنسب للأسطورة الأرجنتينية دييغو مارادونا ولا غيره، معشوق نابولي الأوّل، والذي تملأ صوره المدينة، فلقب هذا الموسم عوامله عدّة وأسبابه متعدّدة، وأبرزها الاستقرار الإداري الذي يشهده النادي منذ تولّي أوريليو دي لورينتيس دفّة القيادة إداريًا، فتقدّم خطوة خطوة نحو المجد، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه في عدّة مواسم سابقة، إذ احتلّ المركز الثاني في أربع مرّات، حتّى وصل النادي إلى هدفه وحقّق اللقب أخيرًا.
الإدارة الجديدة كانت لمستها واضحة في بناء منظومة قوية، عبر استقطاب لاعبين بارزين فوق أرضية الميدان، غائبين عن اهتمام الإعلام والأندية الكبرى، فكان قدوم خفيتشا كفاراتسخيليا أكبر دليل على السياسة هذه في سوق الانتقالات، فاللاعب الجورجي وفي ثلاثين مباراة شارك فيها نجح بتسجيل ١٢ هدفًا وصنع ١٠ تمريرات حاسمة لزملائه، واعتُبر اللاعب الأبرز في النادي هذا الموسم.
تألّق لاعبي نابولي هذا الموسم بقيادة لوتشانو سباليتي كان أيضًا عاملًا أساسيًا في تحقيق اللقب، ففيكتور أوسيمين هو هداف الدوري برصيد ٢٣ هدفًا في ٢٨ مباراة، أضف إليها ٤ تمريرات حاسمة، أمّا خفيتشا كفاراتسخيليا فهو صاحب أكبر عدد من التمريرات الحاسمة. والمدافعون وفي مقدمتهم كيم مين جاي وجيوفاني دي لورينزو، برزوا هم أيضًا، إذ لم تتلقَ شباك النادي سوى ٢٣ هدفًا في ٣٤ مباراة، إنجاز ساهم حارس المرمى أليكس ميريت والذي حافظ حتى الآن على شباكه نظيفة في ١٥ مباراة بتحقيقه.
ولخط الوسط نصيبه أيضًا من المجهود والتألّق، فبيوتر زيلينسكي يُعتبر صانع المجد هذا الموسم، فهو ضابط إيقاع النادي فوق أرضية الميدان وصاحب التمريرات الدقيقة، ليحافظ وزملاءه على تماسك المنظومة وترابطها فوق أرضية الميدان.
لاعبو نابولي جميعًا ساهموا في تحقيق لقب الدوري هذا الموسم، والذهاب بعيدًا في دوري الأبطال، وإن كان البعض قد انتقد خروج النادي أمام ميلان من ربع نهائي البطولة القارية، فوصول نابولي إلى هذا الدور كان خطوة مهمّة لاكتساب اللاعبين خبرة، تتطلّبها بطولة بهذا الحجم، وتمهّد للمنافسة أكثر وأكثر في المواسم المقبلة.
وأخيرًا إنّ تربّع “أبناء الجنوب” على عرش الكرة الإيطاليّة ما كان ليتحقّق لولا الجماهير الوفيّة، العاشقة لناديها، والتّي لم تتخلَّ عنه حتّى عندما خيّب أمالها وهبط لدوري الدرجة الثانية، بل بقيت تسانده ووقفت خلفه في الملاعب والشوارع، وساندته، فكانت اللاعب الإضافي في قائمة النادي، وأجبرت كلّ عشاق كرة القدم على الفرح لفرحها والانبهار باحتفالاتها ووفائها وشغفها بناديها وبالرياضة.