كثرت الأسئلة والتحليلات والتكهنات حول إثارة ملف النزوح السوري في لبنان في الآونة الأخيرة، وتقدّمه على غيره من الملفات ووصوله إلى مرحلة من الخطورة الأمنية وحتى “العنصرية” في بعض الأحيان والمناطق، ما يدفع إلى السؤال عن خلفية وحقيقة تحريك هذا الملف ومن هي الجهة أو الجهات التي قد تكون مستفيدة من هذا الأمر؟؟
وهذا الملف كان محط اهتمام وعنوان تحرك المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جوانا فرونتسكا، التي إلتقت عدد من المسؤولين، تمهيدًا للتقرير الذي ستُعده وترفعه للأمم المتحدة خلال الأشهر المقبلة قبيل جلسة الأمم المتحدة المقررة في شهر أيلول المقبل.
بداية، لا بد من التذكير بما سبق وأعلنته المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد، لجهة أنّ “المفوضية تحترم حق اللاجئين الأساسي في العودة بحرية وطوعية إلى بلدهم الأصلي وفي الوقت الذين هم يختارونه، وأنّ المفوضيّة لا تعيق عودة اللاجئين إلى سوريا”.
وأكّدت في حديث صحفي أنّ “غالبية اللاجئين السوريين قالوا للمفوضية إنهم يريدون العودة إلى سوريا، والسؤال ليس ما إذا كانوا يرغبون بالعودة، ولكن “متى” يعودون؟”
وأشارت إلى أنّ “رسالة المفوضيّة الإنسانيّة تملي في إيجاد حلول للجوء، وتواصل المفوضية العمل مع الجهات الفاعلة الرئيسيّة لإيجاد حلول طويلة الأجل للاجئين السوريين، بما في ذلك إعادة توطين اللاجئين في دول ثالثة كما العودة الطوعيّة، الآمنة والكريمة إلى بلدهم سوريا، ولتحقيق هذه الغاية، تعمل الأمم المتحدة مع كافّة المعنيين، بما في ذلك الحكومة السورية والدول المضيفة، لمعالجة المخاوف التي يعتبرها اللاجئون عقبات أمام عودتهم بأعداد كبيرة”.
فنوايا اللاجئين مرتبطة بالوضع داخل سوريا، وتؤثر مجموعة من العوامل على قرارهم بالعودة أو بعدمها، ويقول معظم اللاجئين للمفوضية إنهم ما زالوا قلقين بشأن السلامة والأمن، والسكن، تأمين الخدمات الأساسية وسبل العيش.
كذلك، سجّلت تقارير المفوضيّة في لبنان زيادة في عدد المداهمات في صفوف السوريين خصوصًا خلال شهر نيسان الجاري، ما يدعو إلى التذكير باحترام مبادئ القانون الدولي وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الإعادة القسرية.
بالموازاة، أكد وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجار، أنّ “مفوضيّة اللاجئين وافقت على تسليم الداتا الخاصة بالنازحين”.
وكما هو معلوم، فإنّ المشكلة الأساسيّة في هذا الملف، هي عدم توحيد الداتا بين معلومات المفوضية والسلطات الرسمية والأمنية اللبنانية، ويبدو أنّ ملف النازحين بعدما دخل في مرحلة من التوتر، وشُنت حملات إعلامية مختلفة، بدأ يتغيّر التعامل معه.
وربّما زاد من وتيرة الحديث عن هذا الملف ما تحدّث عنه مسؤول في البنك الدولي لجهة، أنّ كلفة النزوح تبلغ 4 مليار و500 مليون دولار سنويًا يتحمّلها الشعب اللبناني، وتصبح هذه الكلفة، على مدار 11 عامًا، 45 مليار دولار.
كذلك، تصل قيمة التقديمات من الجمعيات غير الحكومية التي رصدتها وزارة الشؤون الاجتماعية إلى نحو 8 مليار دولار، إضافة إلى ذلك أنّ 55 في المئة من الموقوفين في السجون هم من النازحين.
كما أنّ التقديمات التي يحصل عليها النازح من الجمعيّات غير الحكومية، والدفعات التي ارتفعت نسبتها هذه السنة: 160 دولارًا للرجل و80 دولارًا للمرأة و40 لكل ولد، مع تقديمات طعام وتدفئة وطبابة وتعليم.
هذه الوقائع والمعطيات، دفعت إلى قراءات مختلفة من قبل عدد من القوى السياسية المختلفة، لكنها أجمعت على ضرورة معالجة هذا الملف بعيدًا عن الاستثمار السياسي.
ووفق معلومات “صباح الخير-البناء” تعمل لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين البرلمانية في مجلس النواب على إعداد مجموعة من التوصيات بعدما عملت على هذا الملف منذ نحو ثمانية أشهر مع الجهات الدولية والسفراء المعنيين ومفوضية اللاجئين من أجل تغيير منهجية التعامل مع هذا الملف بطريقة مختلفة عما سبق منذ بداية الأزمة عام 2011، إذ كانت إدارة هذا الملف فاشلة باعتراف المعنيين.
ووفق مصادر متابعة، فإنّه سيتم الاستعانة بسفراء الدول المجاورة كتركيا والأردن للإستفادة من تجربتهما بالتعامل مع هذا الملف، على أن تتبلور الصورة في شهر حزيران المقبل.
في المقابل، يؤكد عضو اللقاء الديموقراطي النائب بلال عبدالله في حديث خاص لـ”صباح الخير-البناء” أنّ “المستفيد الأول من تحريك هذا الملف بهذه الطريقة هو الدولة السورية من أجل الاستثمار في عودة سوريا للشرعية العربية وفي ملف إعادة الإعمار”.
وشدد على أن “هناك إجماع لبناني على معالجة هذا الملف بعيدًا عن الاستثمار السياسي والإعلامي وقد طلبت خلال اللقاء مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في السفارة الإيرانية في بيروت، طلبت منه التدخل والضغط على الدولة السورية من أجل المساعدة في حل هذا الملف الذي يحتاج إلى ضمانات عربية ودولية لسلامة العودة وفقًا للمعايير الدولية وأن تكون العودة طوعية ومن خلال خطة واضحة بعيدًا عن استخدام هذا الملف كـ”فزاعة” كما كان يُستخدم موضوع توطين الفلسطينيين سابقًا”.
وطالب بوقف المزايدة في هذا الملف التي تصب في مصلحة الدولة السورية وتُعطيها ورقة تفاوضية عربيًا ودوليًا.
في المحصلة، هناك إجماع على معالجة هذا الملف، ولو اختلفت الأساليب وهناك إقرار من قبل الجميع بأن حل هذا الملف يتطلب الحديث والحوار مع السلطات السورية.
أكرم حمدان