لا ريب في أنّ رياح التغيير المفاجئة، لا بل الصادمة، التي بدأت تلفح المنطقة العربية عقب التفاهم السعودي الايراني ستترك آثارًا عميقة وبالغة الأهمية، حاضرًا ومستقبلًا، بالتوازي مع إرهاصات إعادة توليف العالم خارج القفص الأحادي.
إنّ وسم هذه المتغيرات بالصادمة ليس خروجًا عن السياق وليس وهمًا أو تهويمًا يجافي العقل والمنطق، كون القوى المعادية لوحدة العرب والساعية على الدوام لتحويلهم الى مزق ممزقة انتابها حال من الهذيان والضياع، اذ لم تستطع لتاريخه استيعاب واستلطاف تقارب طهران – الرياض بمسعى صيني، وهي المتمرسة في فن رسم الحدود الزائفة والحواجز المصطنعة بمقص استعماري بغيض شلّع الأمّة، وحال ولا يزال، دون قيام الدولة القومية الديمقراطية في العالم العربي.
وإن ننسى لا ننسى في هذا الإطار، تدليلًا واستنتاجًا، ماهية إفرازات العقل الاستعماري من خلال ما قالته يومًا (غير ترودجيل) مستشارة المندوب السامي البريطاني في العراق إبان الاستعمار البريطاني لبلاد الرافدين: “إن المتطرفين -وتعني الثوار ضد الاحتلال- اتخذوا خطة من الصعب مقاومتها ألا وهي اتحاد الشيعة والسنة في مواجهة سلطات الانتداب”.
إنّ التذكير بهذه المقولة يفيد في توكيد أهمية الوحدة الإسلامية والوطنية كأمضى الأسلحة لرفع كابوس الاحتلال ومواجهة مخططات التفتيت والاستتباع وتشتيت القوى في ساح الصراع المفتوح مع تلك القوى الاستعمارية التي ما فتئت تتربص بأمتنا الدوائر وتكيد المكائد وتسعِّر نار الشقاق بين شعوب المنطقة للحؤول دون تكاتفها حول مشروع قومي تحرري ينهض باقتصادات الدول ويرفع من مستويات النمو والتنمية ويسقط كل أشكال الهيمنة الخارجية .
ان عودة الدفء للعلاقات البينية العربية، لاسيما سوريا والاشقاء العرب، ليس فقط إقرارًا عربيًا بالدور القومي المحوري لسوريا على مستوى الأمة والتسليم بأن تغييرها بالفوضى والعماه يعني تغيير الأمة برمتها، وما من قطر عربي إلا وسيصاب بداء فقدان المناعة والتمزق خدمة للمشروع الصهيوني التوسعي على حساب العرب وثرواتهم ووحدتهم ومكانتهم في العالم.
والحال يأتي التقارب السوري – السعودي والدور السعودي الفاعل والحاسم والمخلص في هذا الإطار لإعادة بعث الأمل بقدرة العرب على التصرف كأمة حرة تعي موقعها ومصالحها وقدرتها ومكانتها اللائقة تحت الشمس في ظرف دولي مؤات، حيث البازل الدولي يعاد تركيبه بين قوى صاعدة كالصين وروسيا وغيرها، كملتقى شنغهاي المتمايز عن الغرب الجماعي في الرؤية لعالم الغد.
ان ال (س س) فيما يعني لبنان ستشكل المظلة العربية الواقية، بحيث ستشهد الأشهر القادمة وبالتوازي مع إعادة إعمار سوريا وعودة النازحين السوريين، التفرغ الكامل للملف اللبناني وانفتاح الحكومة اللبنانية بوهج سعودي على شكل جديد من العلاقة بين البلدين. أما الاستعصاءات الحالية والسقوف العالية لجهة رفض هذا وذاك في الملف الرئاسي ليست سوى تقطيع وقت وحراك في الوقت الضائع ريثما يأتي تموز، حيث تنضج الطبخة الرئاسية في الكوز (السوري – السعودي)، وسيكون للبنان رئيسًا وحكومة وانتخابات نيابية مبكرة يجري الحديث عنها في الكواليس، نظرًا للتشكيل المعقد للمجلس النيابي الحالي المتجسد برقع شطرنجية متناقضة متنازعة ولا أكثرية كاسرة بينها بل مجموعة أقليات.
وستتولى دمشق بما لها من خبرة وباع طويل في فقه الموازنات اللبنانية، وبما لها من دالة على فريق اساسي من اللبنانيين، أن تكون ضمانة السعودية وخياراتها ومصالحها في لبنان، وفي الوقت عينه ترعى مصالح حلفائها، ولا غرابة في ذلك أنه لبنان المحكوم براع يرعى تناقضاته وتركيبته، وليس عيبًا أن يتولى الأخوة والأشقاء العرب إعانة وتمكين شقيقهم الأصغر المنكوب، لكنّ العار أن يشحذ اللبنانيون أمانهم واستقرارهم وانتظام مؤسساتهم من باريس حيث الحج اليومي الى مضافة دوريل.