تقاسم ثروات السودان  بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ، هل هو سبب الإشتباكات؟

عندما انقلب الجيش بالتعاون مع قوات الدعم السريع على الرئيس عمر البشير لم يكن ذلك الا فرصة لهما  جاءت على طبق من ذهب بسبب الإحتجاجات  الشعبية التي تواصلت لشهور وادّت الى مواجهات دموية أعلن الفريق أول أحمد عوض بن عوف تنازله عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، واختيار المفتش العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، خلفا له.

التطورات المتلاحقة بدأت بعد ساعات من مؤتمر صحفي عقده الفريق أول عمر زين العابدين، رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري الانتقالي، كشف خلاله بعضا من ملامح المرحلة الانتقالية التي لن تزيد، وفق تعبيره، عن عامين، وأوضح أن الحكومة الجديدة في السودان ستكون مدنية، مشددا على أن المجلس «لم يأت بحلول ولا يطمع في السلطة»، وأن مهمته الأساسية حفظ أمن واستقرار البلاد والتي قابلها المحتجون في ساحات الاعتصام بالرفض وعدم الوثوق بهذا الوعود. وأعلن تجمع المهنيين السودانيين، الذي يقود الاحتجاجات، رفضه لوعود المجلس العسكري الانتقالي.

وبعد كلمة زين العابدين بساعات قليلة، أعلن التلفزيون السوداني أن أحمد عوض بن عوف سيلقي بيانا مهما، صرح فيه مساء ذلك اليوم، إنه قرر التنازل عن منصبه، هو ونائبه كمال عبد المعروف، ليخلفه الفريق الركن عبد الفتاح البرهان، ليكون الرئيس الثاني للمجلس العسكري، بعد ساعات من عزل عمر البشير.

هذا كان موقف الجيش اما موقف قائد قوات الدعم السريع محمد دقلو فكان على الرغم من كون قواته بمثابة قوات لحماية البشير ان اختار الوقوف الى جانب الجيش بسب الطموحات  والمكاسب الكبيرة التي سيؤمنها له هذا الموقف .

وقف الجانبان بصلابة الى جانب بعضهما على الرغم من التناقضات العديدة التي تفرق بينهما حيث ادارا العلاقة انطلاقاً من المصالح المشتركة وتقاسم الغنائم وهو ما استمر لأربع سنوات منذ نيسان / ابريل سنة 2019 وحتى نيسان 2023/ ابريل  تاريخ انطلاق المواجهة بينهما .

الخلاف بين قيادة الجيش والدعم السريع قديم ويعود إلى تاريخ تكوين هذه القوات في 2014 في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، فقد رفض الجيش وقتها إلحاق هذه القوة الجديدة بالجيش السوداني بسبب تكوينها الذي يعتمد على مكونات قبلية محددة، ووقتها اختار البشير أن يلحق قوات الدعم السريع بجهاز الأمن والمخابرات، قبل أن تُستغل بشكل كبير وتصبح في 2017 قوات منفصلة وإمرتها بيد رئيس الجمهورية، الذي كان يشغل أيضا منصب القائد الأعلى والعام للجيش السوداني.
وتجدّد الخلاف بعيد اندلاع ثورة كانون الأول/ ديسمبر 2018 خاصة بعد أن رفض حميدتي المشاركة في قمع “الانقلاب” وأظهر تعاطفًا مع “الثوار”.
وبلغ الخلاف ذروته بعيد الإطاحة بالبشير في نيسان/ أبريل 2019، ورفض وقتها حميدتي العمل مع رئيس المجلس العسكري الجديد الفريق عوض بن عوف، وفتح أبواب التواصل مع القوى السياسية الصاعدة، مما عجّل بانسحاب بن عوف من المشهد.
الخلافات الجديدة برزت مع بروز طموحات سياسية للرجلين برهان وحميدتي. إذ يسعى برهان بالاحتفاظ بمنصب القائد العام ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يضم نحو 14 جنرالًا وممثلًا واحدًا للدعم السريع، الأمر الذي أزعج حميدتي واعتبره خطوة تمثل احتواء ناعمًا لقواته.
فضلا عن ذلك، فإن حميدتي كان دائمًا ما يفكر في الانتخابات وسيلة جديدة للانفراد والاحتفاظ بالسلطة، وشرع في تكوين تحالف يعتمد على أعيان القبائل وزعماء الطرق الصوفية، ثم يلتحم في نهاية المطاف مع تحالف آخر من القوى المدنية المهيمنة على الفترة الانتقالية.

بالنسبة لقائد قوات الدعم السريع فإن إمبراطوريته الاقتصادية الشاسعة تشكلت في عهد الرئيس السابق، عمر البشير، الذي قدم له تسهيلات كبيرة وامتيازات حصرية في العديد من القطاعات التجارية، كما فُتحت له أبواب أخرى أهمها الحصول على دعم خارجي هائل.

وتمثلت مصادر ثروته في : ” التجارة، والذهب، ومساعدات أوروبا لوقف الهجرة غير الشرعية، وميزانية مباشرة من البشير خارج رقابة الدولة لتمويل حرب دارفور، والتمويل الإماراتي السعودي ” .

أسرار كثيرة صاحبت صعود قائد قوات الدعم السريع أو مليشيا الجنجويد في السودان إلى قائمة أثرى أثرياء السودان، وما كشف عن امتلاكه موارد مالية هائلة، منحه من خزينة الدولة السودانية مبلغا يتجاوز مليار دولار، وتسديد رواتب الشرطة السودانية نقداً لمدة ثلاثة أشهر.

وكان البشير اعترف أثناء محاكمته،  بأنه سلم شقيق حميدتي (عبد الرحمن دقلو القيادي البارز في قوات الدعم السريع) مبالغ من الأموال التي حصل عليها من الإمارات والسعودية والبالغة 91 مليون دولار.

بالنسبة للبرهان فهو كونه رئيس المجلس السيادي فقد اتيحت له الفرصة في غياب منظومة دولة رسمية وفي غياب الرقابة توفرت له الظروف المختلفة ليتصرف باموال الدولة وثروات السودان  منذ ما قبل الانقلاب حتى  ومنذ اصبح قائداً للقوات البرية واشرافه على القوات اليمنية في اليمن وما يعني ذلك من دعم سياسي إقليمي له وهو ما رسخه بعد الإنقلاب .

باختصار وبما ان كلا الرجلين البرهان وحميدتي لا يملكان مشروعاً سياسياً واضحاً يمكن الجزم ان ما يتعرض له السودان حالياً سيكون له عواقب وخيمة لان أحدا منهما لن يتخلى عن امتيازاته وهذا يعني ان الصراع مستمر وان تقاسم الثروة سيستمر وسيكون كل ذلك على حسب الشعب السوداني ووحدة أراضيه المهددة بانقسامات لا احد يعرف على ماذا ستستقر وكيف ستكون .

عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.