وحدة الجبهات… كابوس “إسرائيل” الّذي تحوّل حقيقةً

خلال الأيام الماضية، شهدت الساحة في فلسطين توتراً أمنياً وتصعيداً عسكرياً كبيراً على جبهاتٍ مختلفة، في مشهدٍ لم تره الدولة اليهودية الزائلة منذ أربعة عقود. فيما واصل المقدسيّون معركة تثبيت حقّهم في الاعتكاف في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، ومنع الاحتلال من فرض التقسيم الزماني والمكاني عليه، أسوةً بالحرم الإبراهيمي في الخليل. في غضون ذلك، اعتدت عناصر الشرطة “الإسرائيلية” بوحشية على المعتكفين في محاولةٍ منها لتفريغ الحرم من روّاده ومصلّيه، تسهيلاً لاقتحامه من قبل المستوطنين وإقامة شعائرهم التلمودية داخله لمناسبة عيد الفصح اليهودي، مما دفع أبناء شعبنا في الضفة الغربية لتفجيرغضبهم في وجه جنود العدو ومستوطنيه.

جاء الردّ الأول على اعتداء الشرطة “الإسرائيلية” على المقدسيّين من قطاع غزة، حيث وجّهت فصائل المقاومة رسالةً إلى العدو مفادها أن الاعتداء على الحرم المقدسي ثمنه سيكون باهظاً وأنها جاهزة للتصعيد إلى ما يشبه معركة “سيف القدس” عام 2021، عبر إطلاق بعض الصواريخ نحو مستوطنات الغلاف، مؤكدةً أنها حاضرة لتوسيع الجولة عندما يَلزم الأمر.

هذا وتبيّن في الليلة ذاتها أن العدوّ لم يتلقَّ رسالة المقاومة في غزة بشكلٍ جيّد، ممّا جعله يستمر في اعتداءاته على المعتكفين في الأقصى، وقابلته المقاومة برشقات صاروخية أُخرى ولكن هذه المرّة من جنوب لبنان، مستهدفةً الجبهة الشمالية والجليل الأعلى، تأكيداً منها على وحدة الجبهات في المواجهة المقبلة مع العدوّ وأن الاعتداء على الأقصى سيغيّر وجه المنطقة واضعاً الدولة اليهودية الزائلة في مهبّ عاصفةٍ لم تشهد لها مثيل.

وإذ ثبّتت المقاومة معادلة ردع جديدة مع “إسرائيل” -حيث أنها للمرة الأولى تدكّ مستوطنات الجليل بصليات صاروخية من جنوب لبنان بلغت أكثر من 30 صاروخاً خلال دقائق- سارع قادة العدوّ لنفي تورّط حزب الله في ما يجري على الجبهة الشمالية، خوفاً من التورّط مع الحزب في مواجهة لا تستطيع “إسرائيل” تحمّل تداعياتها. وقد تبيّن في الموقف “الإسرائيلي” ضعفاً لم تشهده الأحداث على مرّ السنين، وذلك في ظل محاولة قادة الائتلاف الحكومي في الكيان الخروج من الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحدق بهم منذ أشهر.كما سارع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى عقد اجتماع وزاري مصغّر بغية درس إمكانية وحجم الرد على الرشقات الصاروخية في الجبهة الشمالية، وجاء القرار بإخراج حزب الله من قلب المعادلة زاعمبن أنّ المسؤولية تقع على عاتق حركة حماس والدولة في لبنان، وأن الردّ يجب أن يكون مقتصراً على أهداف للحركة في لبنان وغزّة.

وقبل أن تأتي مفاعيل الردّ “الإسرائيلي” الهزيل على أحداث الجبهة الشمالية، حيث قامت طائرات ومدفعية العدو بقصف سهول زراعية، زعمت أن الصواريخ التي أُطلقت انطلقت من هذه الأماكن، انضمت أيضاً الجبهة في الشام إلى الاحتفال، حيث قامت المقاومة بإطلاق ستة الصواريخ نحو جنوب هضبة الجولان. وردّاً على الرشقات الصاروخية، هاجم الجيش “الإسرائيلي” مصادر النار ولاحقاً أيضاً أهدافاً للجيش السوري. وبخلاف هجمات المعركة ما بين الحروب، نشر جيش العدوّ هذه المرة بلاغاً رسمياً بأنه هاجم الشام، وأعلن أنه يرى أن الدولة مسؤولة عن كل ما يحصل في أراضيها، وأنه لن يسمح بمحاولات خرق السيادة “الإسرائيلية”.

بالمقابل، كان متوقعاً لدى قادة الكيان أن المقاومة تسعى لتوحيد جبهاتها، وقد ظهر ذلك جليّاً في الأسبوعين المنصرمين، حيث التقى رئيس المكتب السياسي في حركة حماس اسماعيل هنية، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في بيروت، وكان قد سبقه أمين عام حركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة في لقاء جمعه بنصرالله.

في ظلّ احتدام الساحة الداخلية والخارجية في فلسطين المحتلّة، قام نتنياهو بعقد مؤتمرٍ صحافيٍّ أول من أمس، أبرز ما جاء فيه:

  • هاجمنا أهدافاً لحزب الله وحماس في لبنان ردًا على الصواريخ
  • إذا واصل النظام السوري السماح بالهجمات من مناطقه فسيدفع الثمن باهظًا.
  • لن نسمح لحماس بإقامة بنية تحتية إرهابية في جنوب لبنان.
  • الحكومة السابقة هي من وقعت اتفاقية الغاز مع لبنان.
  • اتفاق الاستسلام (ترسيم الحدود البحرية) مع لبنان زاد في الهجوم على إسرائيل.
  • أعداؤنا فسّروا دعوات العصيان على أنها ضعف في قوّتنا الوطنية.
  • نتجهّز لعمليات كبرى إن اقتضى الأمر في الجبهات كافة.
  • ‏لن يكون الحرس الوطني ميليشيا لأحد بل جهاز أمني منظّم باحتراف.

من هنا، يبدو أنّ نتنياهو يحاول تصويب أسباب الأزمة السياسية التي يعيشها الكيان في ظلّ حكومته نحو الحكومة السابقة، من خلال الادّعاء أن ترسيم الحدود مع لبنان هو اتّفاق استسلامي لصالح حزب الله، ويلوّح بإمكانية إلغاء مفاعيله. إضافةً إلى ذلك يحاول نتنياهو أن يقول لمستوطني الدولة اليهودية الزائلة إن “حماس” لن تشكّل تهديداً لكم، وإنه يسعى لاقتلاع جذور أية بنية تحتية للمقاومة الفلسطينية.

فيما تقدّم، من المتوقع في المرحلة المقبلة:

  • احتدام الجبهة الداخلية بين اليهود والفلسطينيين في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان.
  • في ظلّ قرار نتنياهو منع المستوطنين من اقتحام المسجد الأقصى، يسعى للتخفيف من ردّ فعل شعبنا في الضفة الغربية وغزة.
  • تهدئة مرحلية على الجبهة الشمالية، إذ أن الرسالة التي أرادت المقاومة أن تبعث بها للعدوّ – وحدة الجبهات – قد وصلت.
  • توقع حرب طويلة الأمد مع العدو على جبهات مختلفة.
    بالتالي، على من يعتقد أن الحديث عن التحرير الكامل لفلسطين ضرب من الجنون، أن يهدأ قليلاً ويعيد النظر في كل ما جرى خلال أربعة عقود، ليعرف أن الحلم ليس مستحيلاً.