مرت نحو خمس عقود على مجزرة عينطورة الرهيبة التي ارتكبها حزب الكتائب بحق القوميين الاجتماعيين في البلدة، ولا زالت اللحظة مؤثرة ولا يزال الفعل الدموي قاس… وعصي على النسيان لجريمة ارتكبت في بداية الحرب الأهلية عام 1976.
في رواية الذين ما زالوا شهوداً على الجريمة أن أوامر أعطيت لكتائبيي المتن، يوم كان أمين جميل هو القائد العسكري لمنطقة المتن الشمالي وكانت الكتائب وآل جميل دعاة مشروع تقسيم لبنان والانعزال عن محيطه القومي خدمة للمشروع الصهيوأمريكي.
يومها كان القوميون الاجتماعيون في عينطورة، بلدتهم دعاة الوحدة وحماية للبلدة المتنية، وفي مركز مديرية الحزب في عينطورة، هاجسهم حماية أهلهم من أي تمييز بين السكان الكتائبيين والقوميين، مما يؤدي إلى احتمال أذية للكتائبيين، فرسموا شعار الزوبعة على أبواب بلدتهم، وساووهم بأهلهم.
كانوا يحرسون البلدة وهم عزل من السلاح أنذاك، شباب بعمر الورد، يشجعهم ويحفزهم الأمين نسيب عازار، خال وعم وصديق ومساند الجميع.
الشيخ الجليل المحب والمحبوب من الجميع، والخلوق والقدوة كان حاضراً في مركز المديرية أنذاك، يسهر مع الشباب في ذلك الليل الآذاري وكانت الريح قوية وعاصفة، وهم مطمئنون إلى أجواء الهدنة وحماية الناس.
وفجأة جاءت ساعة الصفر لارتكاب المجزرة من مجموعة كبرى من الشباب الكتائبيين، بعضهم من البلدة، وآخرين من البلدات المجاورة، وساحل المتن وبسكنتا، تنفيذاً لقرار إتخذ، بإفراغ المتن من أي رأي مخالف، أو لون طائفي مغاير.
وكانت عملية الإعدام الفظيعة على حائط كنيسة السيدة في البلدة المارونية الوادعة.
قتلوا الأمين نسيب عازار، وكان يحاول إقناعهم بالعدول عن فعل القتل لشباب عزل، دون جدوى.
يقول الراوي الشاهد، أنهم طلبوا من الأمين نسيب عازار أن يحيى بيار الجميل بدل أن يحيى سعاده، ولما رفض قائلاً ما عادت تتستاهل الحياة، انهمرت عليه رصاصات الإعدام، فأغتيل مقتضياً بمعلمه سعاده.
وتتالت رصاصات الاغتيال للشباب الآخرين، في حقد رهيب، استهدف شباناً من آل عازار وحاج وبعقليني.
يوسف الحاج، مدرب الأشبال والشباب، الشجاع الذي حاول أن يدافع عن نفسه بالسلاح الأبيض، أطلقوا عليه الرصاص وطعنوه بالحربة طعنات عديدة، دلت على حجم الحقد والتعصب.
لم يكونوا هؤلاء الشباب مقاتلين، بل طلبة ومحامين وفنانين ولاعبي نادي البراعم الرياضي، كانوا شباباً ينظرون للمستقبل الواعد.
فقضت على تلك الآمال الواعدة تلك الليلة المشؤومة والأيادي السوداء.
في المجزرة نساء، من عائلة آل بعقليني، قتلتهم الأيدي نفسها في موقع آخر، وكذلك أم وابنتها من آل الحاج خطفوا في “المنطقة الشرقية” وقتلوا ولم يعرف أين دفنت أجسادهم إلى الآن.
قتل الكتائبيون الشباب العزل وغادروا البلدة وتركوهم اياماً تحت الريح والشمس.
بعض كبار السن الأقارب للشهداء سارع إلى دفن من يخصه وبطريقة خفية خشية أن يصيبه أذى من مرتكبي الجريمة الذين روعوا البلد.ة وحكاية دفنهم فرادى من أقاربهم تدمي القلب والعين، حيث تركت الجثامين تهترأ وتتعفن تحت عوامل الطبيعة لأيام. أدت المجزرة أنذاك إلى حالة رعب في البلدة وخارجها وهذا ما كان مطلوباً، أي الهجرة الواسعة للقوميين الاجتماعيين وكذلك معظم قوميي المتن الشمالي بعد ما تلى المجزرة، تدمير للمنازل وحرق أخرى.
عشرون شهيد خسرتهم عينطورة وهم من خيرة شبابها المشهود لهم بالعلم والأخلاق والنخوة والهمة.
إشارة لا بد منها إلى أن الكتائبيين قتلوأ أيضاً، في بلدة متنية أخرى هي بتغرين، قوميين آخرين.
لقد دأب الحزب على التذكير بجريمة قتل القوميين في عينطورة منذ انتهاء الحرب وأقام لهم نصب في البلدة نقلوا إليه رفاتهم حيث توضع أكاليل كل عام وتتلى الكلمات التي تؤكد دوماً على رفض التقسيم والفدرلة كمشروع رذلته الإرادة الوطنية والقومية، إنطلاقاً من الحرص على وحدة هذا الكيان،ووحدة الأمة.
عقود خمس مرت ولا زالت الذكرى توجع الأحياء. ولا زال حزب الكتائب يرفض الاعتذار أو صوغ قراءة نقدية لتاريخه الدموي من خطف وقتل خلال سنوات الحرب الأهلية السيئة الذكر. مجزرة عينطورة ستبقى علامة سوداء في تاريخ مرتكبيها التقسيميين وسيبقى القوميون الاجتماعيون دعاة وحدة ومواجهة لمشاريع الفدرلة والكنتنة بالتوعية حيناً وتحرير الغرائز وبالمواجهة دوماً لكل من تسول له نفسه عدم الاتعاظ من ماضيه.