بات جليًا ومن دون براهين وأدلة أن القصة ليست قصة “ساعة” بقدر ما هي “شمّاعة” تعلّق عليها كل أعطابنا البنيوية واعتمالات الذات الفئوية الدالة على تأصّل الخطاب الطائفي في لبنان المزرعة والتعددية الخرافية والتعايش المزيف المستورد من المجتمعات المتعددة القومية لتبرير الغيتوات الملفقة التي تجذر الشعورية الضيقة المقيتة وقانون التفكك والتذرر الاجتماعي الواضح المعالم.
في العالم ساعة عالمية وفي لبنان ساعة لاهوتية هي نتاج أخطر اشكالياتنا الا وهو الانسان المفترض إعادة صوغه وفق منطوق يحرره من براثن الطائفية والمذهبية، محكوم بعقل مدني لا عقل لاهوتي، سيما وأنّ إحدى اعظم مصائبنا التوأمة بين هذا العقل والبنى التقليدية، ما ساهم بتموضعنا الأبدي في خنادق الرجعية والانحطاط والتخلف وابتداع النزاع الدوري في حلقة مقفلة لن تنتهي الآن ولا غدًا من دون انسان جديد ووطن أفضل على قاعدة المواطنية اللبنانية العربية المتحررة والعصرية.
والحال بغض النظر عن صحة قرار تثبيت عقارب الساعة وفق التوقيت القديم من عدمه يبقى أنه صادر عن جهة رسمية لا يستأهل كل هذا التحشيد والتعبئة الطائفية وينبغي التعاطي معه انسيابيًا وبسلاسة والتزام من دون هذا الضحيج والعجيج الطائفي.
وفي المقلب الآخر ولسلامة البحث وموضوعيته كان الأسلم والأجدى التشاور مع الآخر بالحد الأدنى كي لا تظهر الصورة في ظل الانقسام حول شرعية قرارات الحكومة المستقيلة مع غياب رأس السلطة التنفيذية وكأن المرجعيتين بحكم انتمائهما المذهبي تفردا بهكذا قرار متجاهلين الشركاء في الوطن .
ان البنيان الوطني هزته “ساعة”بعد قرن وأزيد من قيام الكيان واستقلاله الصوري، حيث لا زالت أبرز منجزات الطوائفية المؤسسية وامتيازاتها السماوية هي تفكيك عرى الوحدة الوطنية وتقطيع أوصالها واستنبات عصبيات شعبوية شعوبية هدامة.
ما نعيشه اليوم من فراغات في السلطات والمواقع وأدوات الحكم وانهيار متناسل للقطاعات كافة، القضائية والتربوية والصحية وشلل القطاع العام برمته وانهيار العملة الوطنية، يختزل ويلخص أزمة النظام السياسي المتهالك، لا بل أزمة الهوية والحاجة الماسة الى اعادة تعريف الكيان وظائفيًا بعد تهاوي مرتكزاته التي انشئ على أساسها، كون ما يجري هو تبديد لفكرة الوطن وتفتيت لإرادة الشعب وتعميق لفكرة الرعايا في جماعات تبحث عن خلاصها الفئوي كنموذج حي لنظام الفسيفساء الكيسنجري ومدرسة الكنتنة واخواتها ومثيلاتها .
إزاء هذا الاحتقان المتزايد والمأزق التاريخي الذي نكتوي بأتونه وتنبؤات باربرا ليف بالفوضى وتحلل الدولة وإصرار الاتحاد الأوروبي مجددًا على دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني، تخشى أةساط سياسية رفيعة من أن البلد اقترب من انفجار داخلي كبير وصدام عنفي خطير ستنجر إليه قوى عديدة، ما سيفضي الى خلط الأوراق من خلال تدخلات ووصايات أجنبية لا تخدم بحال من الأحوال الا أعداء لبنان المتربصين به شرًا، وفي مقدمهم إسرائيل ومشروعها التفتيتي للمنطقة.
ليبقى السؤال المركزي وقبل الوقوع في المحظور: كيف السبيل إلى بناء وطن ريادي ومجتمع عادل ينسجم مع إنسانية الإنسان من خلال دولة تنقذنا من محنتنا الخانقة الآيلة وفق المسار القائم الى التفكك بمبضع الدم والألم والدموع؟؟ ( فالذين لا يقرأون تجارب التاريخ محكوم عليهم أن يكرروا أخطاءه) ….تكرموا واطلعوا على نشوء الدول وانهيارها قبل فوات الأوان.