المقاومة في حياتنا اليوميّة

المقاومة في المفهوم العام تكون بالسّلاح في ساحات القتال وهذا المفهوم ليس خاطئًا. فسلاحنا موجّهٌ نحو العدوّ منذ زمنٍ طويل ودماء الشّهداء لازالت تسقي أرض أمّتنا في كلّ يوم، وإنّما علينا أن ننظر إلى مختلف مظاهر ساحات القتال والأسلحة الّتي نستطيع تصويبها على أعداء الأمّة.
تتعرّض بلادنا إلى قصفٍ دائمٍ في حربنا الطويلة، ويأخذ القصف أشكالاً عديدة، يحاول أن يفكّك فيها مجتمعاتنا ويشلّ عقولنا.
يأتي في المرحلة الأولى الإعلام وهو أكبر ساحات القتال. يملك القدرة على تسيير وجهات النّظر للعديد من الجماهير. بلادنا في صدد حربٍ إعلاميّة ضخمة، حيث تتمكّن مختلف الأفكار الممنهجة من أن تنخر عقول آلاف الأشخاص وتقود باهتماماتهم إلى ما هو ليس بأساسيّ. مثال على ذلك: شهدنا في الأيّام القلية السّابقة أحداث خطرة في جنوبنا المحتل، حيث أقدم مستوطنون يهود وبحماية من جيش الاحتلال على الدّخول إلى بلدة حوارة وأحرقوا المنازل وسرقوا معظم ما تمكّنوا من الممتلكات. نتج عن هذا العمل الإرهابيّ -إلى جانب الأضرار الماديّة- ارتقاء العديد من الشّهداء وسقوط عدد من الجرحى. وقع هذا الفعل الإجراميّ الفظيع وإعلام الدول “الإنسانيّة” وتابعاتها من إعلامٍ محلّي إتّبع سياسة “التّعتيم الإعلاميّ” ولم ينشر ما يستحق لنقل الصّورة الواضحة عن الجرائم الكثيرة الّتي تحصل يوميّاً في جنوبنا السّوريّ، فالّذي يجري لا يقتصر على هذا المثال.

هنا يبدأ دورنا، دور كلّ شخص منّا، يملك بين يديه وسيلةً إعلاميّةً يستطيع عبرها الوصول إلى ملايين الأشخاص، وعلينا استخدام هذه الوسيلة وأن نقتحم عبرها مواقع التّواصل الاجتماعيّ لنقل الواقع القاسي ونظهر للعالم وحشيّة هذا الكيان الزّائل. هناك إمكانيّة حقيقيّة فنحن نستطيع إيصال صوتنا إلى جميع أصقاع الأرض، بإمكاننا أن نخلق حالة من الوعي عند كلّ مستخدم لمواقع التّواصل الاجتماعيّ، علينا أن نكتب بكلّ لغة نتقنها ليعرف الجميع أينما كان أنّنا نحن أصحاب الحق. هكذا يمكن لكلّ إنسان في أمّتنا أن يقاوم في أيّ وقت وفي أيّ مكان. إنّ ساحة الإعلام من أهمّ السّاحات الّتي شدّد عليها أنطون سعاده الّذي قال “الصّحافة هي مرآة الأمّة ومقياس ارتقائها”.
يتبع الإعلام في المرحلة الثّانية، الفن الّذي يعكس المستوى الشّعري والأدبي والإبداعي لدى أمّتنا ويأثّر في أفكار أبناء المجتمع. نلاحظ حاليّاً التردّي الواضح في المستوى الفنّي حيث أنّ القصائد الّتي نسمعها للشاعر الشّهيد كمال خير بك مثلاً، يقول فيها: ” كان لي الصّمت سريراً وكتاب… خلف جدران الألم… وجراح الاغتراب… كان لي الصّمت صديقاً، والقلم… جمرة تحرق أوراق الإياب…” وغيره العديد من الشّعراء والأدباء، تحوّلت اليوم إلى كلمات لا معنى لها ولا تساهم بتحريك الحسّ الوطنيّ عند المستمع.

هنا أيضاً على كل إنسان في مجتمعنا أن يُبدع في خلق الفنون الّتي ترقى بنا إلى ما هو أجمل، وأن تحرّك في المستمع الحسّ الوطنيّ الّذي تتمكّن الكلمات من تحريكه. علينا في أشعارنا أن نقاوم الإنحدار الّذي يطيح بالفن إلى المستوى المتردّي، ويجب أن نتناول مسائل أمّتنا وأن نضيء في فنوننا على الأفكار الّتي تنير عقولنا لا الّتي تُغرقنا في عالم السّخافة والّتي للأسف تسيطر على ساحة الفن حاليّاً.

أخيراً، وحول الظّاهرة الّتي تنتشر في بلادنا والّتي من المقصود إدراجها بين أبناء شعبنا وهي الفرديّة. نظراً لتردّي الأوضاع المعيشيّة والصّعوبات اليوميّة الّتي يواجهها شعبنا، نتيجة الحصار الّذي نشهده على بلادنا والّذي يساهم فيه الحكّام الفاسدون والمتآمرون على الوطن، أصبح معظم الأشخاص يضعون مصالحهم أمام مصالح المجتمع غير مهتمّين بالأضرار الّتي تقع على الغير. إنّ النزعة الفرديّة ظاهرة خطرة، تفكّك المجتمع وتحوّله إلى حالة فوضويّة، هشّة، وغير قابلة للنموّ.

قاوموا هذا المرض المجتمعيّ، حاربوا النّزعة الفرديّة وتكاتفوا، فكما قال الزّعيم: “يجب على القوميّين الاجتماعيّين أن يكافحوا النّزعة الفرديّة مكافحتهم الاحتلال الأجنبيّ، بل أشدّ. فخطر الاحتلال الأجنبيّ من الخارج، أمّا خطر النّزعة الفرديّة على سلامة المجتمع فمن الدّاخل”.

الرسم لنُهاد علم الدّين