الأعياد في أمةٍ تُولد من الدم
نحن لا نحتفل بالعيد…
نحن نُحاكمه.
نسأله:
أيّ عيدٍ هذا الذي يمرّ فوق أرضٍ لم تجفّ دماء شهدائها؟
وأيّ فرحٍ هذا الذي يُطلب من أمٍّ قدّمت ابنها قرباناً لنهضة أمة، أن ترتديه كقناع؟
في فكر أنطون سعاده،
الفرح ليس هروباً من الألم،
بل قدرة على تحويل الألم إلى معنى.
والشهيد ليس ضحية،
بل فعل تاريخي نقل الأمة من طور العبودية إلى طور الصراع الواعي.
أهل الشهداء ليسوا أهل فاجعة،
هم أهل رسالة.
لم يُكسروا، لأنّهم فهموا باكراً
أنّ الدم الذي يُسفك في سبيل الأمة
لا يُبكي عليه…
بل يُبنى عليه.
في الجنوب،
العيد لا يُقاس بعدد الزينة،
بل بعدد البيوت التي بقيت واقفة رغم النار.
ولا يُقاس بالضحك،
بل بقدرة الإنسان أن يقول:
«خسرنا أحبّتنا… ولم نخسر اتجاهنا«.
أبناء الشهداء في منطق النهضة
ليسوا أيتاماً،
بل ورثة قضية.
يحملون اسم الأب لا كذكرى،
بل كتكليف.
يعرفون أنّ الأب لم يرحل،
بل انتقل من الجسد إلى المعنى،
ومن الفرد إلى الأمة.
الأمّ القومية الاجتماعية لا تنوح،
هي تقف.
تعرف أنّ ابنها لم يمت
بل تحوّل إلى قيمة دائمة في صراع الحياة.
تعرف أنّ الأمة التي لا تنجب شهداء
تنجب عبيداً.
الأعياد في منطقنا ليست استراحة،
بل محطة محاسبة:
هل ما زلنا على مستوى التضحيات؟
هل تحوّل الدم إلى وعي؟
هل صار الاستشهاد ثقافة نهضة لا خطابات موسمية؟
نحن لا نطلب فرحاً بلا ثمن،
ولا نؤمن بسلامٍ يُبنى على النسيان.
نؤمن بأنّ الصراع قدر،
وبأنّ الحياة وقفة عزّ،
وبأنّ الأمة التي لا تقاتل من أجل وجودها
تُمحى ولو كثرت أعيادها.
الجنوب ليس جغرافيا،
الجنوب حالة صراع دائم.
وكل بيت شهيد فيه
هو خلية نهضة،
وكل طفل يحمل اسم أبيه الشهيد
هو مشروع معركة مؤجّلة لا ملغاة.
لذلك،
حين يأتينا العيد،
لا نعلّق الزينة،
بل نعلّق العهد:
ألا يكون دم الشهداء زينة خطاب،
ولا مناسبة بكاء،
بل برنامج عمل.
في فكر سعاده،
الأمة لا تفرح لأنها حيّة،
بل تفرح لأنها تستحق الحياة.
وهذا…
أقسى الأعياد،
وأشرفها.

