الأول من آذار مناسبة لإنارة جذوة النضال

يحتفل القوميون الاجتماعيون بالأول من آذار، منذ نحو تسعة عقود (88 عاماً)، وهو ليس فقط عيد مولد انطون سعادة الزعيم مؤسس الحزب، بل هو أيضاً عيد القسم، قسم الزعامة الذي وقف فيه سعادة نفسه على أمته، وأعلن بملئ خاطره أن يكون أميناً لمبادئ حزبه، ومكرساً نفسه من أجل تحقيق قضية آمن بها سبيلاً وحيداً لنهوض الأمة وفلاح الحزب من أجل إخراج أمته من واقع أمراضها وتحريرها من الاحتلال والاستعمار، ثم إصلاح المجتمع بالوعي لأسباب علله ومصائبه، ولوضع سبل نهوضه من كل هذا الواقع .

 نبحث في هذا المقال كيف كان الأول من آذار مناسبة أساسية للتحريض على  الوعي لفكر سعادة، ولتحفيز القوميين للنضال.

في رأس بيروت، وفي كوخ صغير بدأت الحكاية، حيث شاء عبدالله قبرصي ونعمة ثابت ومأمون أياس أن يحتفلوا مع الزعيم بعيد ميلاده، في الأول من آذار عام 1935 فحملوا له باقة ورد وكلمات لياقة عصرية، لكن سعادة حول تلك المناسبة الشخصية، مناسبة حزبية تكون الحجر الأساس في تأكيد التزامه بالمؤسسات، وقد اعتبرها أعظم أعماله لوضع خطته المواجهة لكل ما يرسم لهذه الأمة، فكان قسمه الذي أعلنه يومذاك، أساس تلك الجلسة المتواضعة .

 حمل سعادة نفسه كل أثقال الأمة معتبراً نفسه مسؤولاً عن إعادة إحياء أمته، أمة حية بين الأمم، بعدما أضناها الاحتلال والتفتيت والتشتت معتبراً أنه قد أزفت ساعة النهوض لهذا الشعب، مدركاً أن المواجهة باتت ضرورية بين أتباع التقاليد البالية المقيدة لبلادنا وبين رجال آمنو ووثقو بأمتهم وبحقها في الحياة.

وهكذا كرت سبحة إحياء هذه المناسبة في العام التالي ورغم وجود سعادة في السجن، أثر انكشاف أمر الحزب، تمت  إنارة التلال في ضهور الشوير وزحلة، وهكذا أعلن عن الحزب، حزباً منتشراً في المناطق، لا يهاب السلطة السياسية التي تحاصره وتسجن زعيمه.

 لاحقاً بات لكل آذار حكايته، ورمزيته بعدما أخذت الأمور طابع المواجهة مع المكونات الطائفية في البلد، إثر مواجهة الحزب مع حزب الكتائب في يوم بكفيا، في الحادي والعشرين من شباط، عام 1937 وأدى الأمر لملاحقة سعادة وسجنه. فكان بيان الأول من آذار الصادر في التاسع من آذار والموزع على  الصحف هو البديل عن الاحتفال وفي البيان أعلن سعادة عصيان الدولة، التي أنهت باعتقاله الهدنة المؤقتة مع الحزب.

وصولاً إلى العام 1938،  تعدى احتفال الأول من آذار الكيان اللبناني وانتقل إلى الشام وفلسطين حيث اقيمت الاحتفالات، فيما كان احتفال لبنان بحضور الزعيم في بيروت في منزل آل لبابيدي حيث تناول سعادة في كلمته المنطلقات العقائدية للحزب داعياً إلى وعي مصالح أمتنا مؤكداً أهمية النهوض والثقة بأنفسنا وصولاً لانتصار روحية الحزب السوري القومي الاجتماعي على عوامل الزمن العتيق، معلناً بدء النضال السياسي للحزب من  لبنان إلى الشام ومنبهاً من الخطرين اليهودي والتركي، معلناً في كلمته  أن الخطر اليهودي يتناول  الأمة كلها.

إلى جانب إعلانه المواقف المبدئية، أهدى سعادة يومها للقوميين إصداره كتاب نشوء الامم الذي كتبه في السجن.

انقضت المرحلة الأولى من التأسيس التي أرسى فيها سعادة حزبه عليها وغادر إلى المغترب لاستكمال الاهتمام بجسم الاغتراب وتجنباً لملاحقة السلطات اللبنانية، حيث وصل إلى البرازيل في 11 آذار 1939، وهناك أقام القوميون له احتفالاً بمناسبة الأول من آذار وألقى سعادة خطاباً استمر ساعتين أعلن خلاله موقف الحزب من العروبة وهذا  قوله “إننا نحن جبهة العالم العربي وسيفه وترسه، ونحن حماة الضاد ومصدر الإشعاع الفكري في العالم العربي كله “.  وهكذا ورغم  غياب سعادة عن الوطن، أصبح الاحتفال بالمناسبة طقساً دائماً طيلة السنوات اللاحقة لغيابه. ورغم مطاردة سلطات الانتداب للقوميين وسجنهم، كانت إنارة التلال في كل أول آذار إشارة للتحدي والمواجهة.

وهذا ما  أشار اليه سعادة عام 1943 في احتفال الأول من آذار في كوردبا في الأرجنتين، متحدثا عن  حجم عزيمة القوميين في مواجهة ظلم السلطة وملاحقاتها، معتبراً أن الأمة وقد كانت صريعة، نهضت آخذة على عانقها توحيد الصفوف والانتصار .

خلال غياب سعاده القسري في أميركا اللاتينية، وما عزف من حقبة انحراف ولبننة عاشها الحزب سعياً للانخراط في الحياة  السياسية  وما رافقها من خطوات دأب سعادة على التأكيد ان الأول من آذار ليس عيداً شخصيا بل هو مناسبة  لتجديد العزيمة.

إلى أن كانت العودة للزعيم إلى الوطن في الثاني من آذار عام 1947 وكان خطابه التاريخي الذي صاغ فيه برنامج الحزب النضالي قائلا  للقوميين: تخرجون من الزنازين إلى السجن الكبير حيث الكيانات الممزقة.

 أعلن موقفه الثابت، أن إنقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم كما هو أمر شامي في الصميم وفلسطيني في الصميم وأن الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها وعلى جميع الكيانات.

إنها دعوته للثورة للمقاومة والجهاد والتي أدت به أن يدفع ثمنها حياته، بعد عامين في ثامن من تموز مدلهم السواد.

نهج الثورة الذي رافق سعادة وحزبه، الثورة على المفاسد، في ثورته التي أعلنها عام 1949 أو لاحقاً في سياق من الثورات وفي أعمال المقاومة التي  قلبت الموازين في مواجهة يهود الداخل والكيان الاسرائيلي المحتل، جعلت دوماً من سعادة وعقيدته قدوة لها.

الأول من آذار مناسبة دائمة لتجديد الفكر وتأكيد الإلتزام مع مفاهيم سعادة الثائرالقدوة، هي ليست مناسبة عادية، بل أنها موعد لتنزيه الحزب عن الغايات الخصوصية ودفعه نحو المزيد من النضال لتعزيز دوره بين الشعب ليكون حزب الشعب كما أراده زعيمه وحزب الانتصار بالأمة على حروب أعدائها عليها.

كوكب معلوف