حالة انتحار كل 48 ساعة.. البقاء قرار

الإنتحار ليس كلمة نضع بعدها نقطة في آخر السطر. القصص لا تنتهي هكذا. هناك في لبنان اليوم ما يشبه القلق العام من تزايد حالات قتل الاشخاص لانفسهم. لدى الرأي العام فكرةٌ تقول أنّ من ينتحر هم خيرة شباب المجتمع، وليس أولئك الذين “تسلبطوا” على الناس وتاجروا بالممنوعات وجنوا الثروات من مال الخوّات. من ينتحر هو من يهرب من واقعٍ لم يقو بطرقٍ مشروعة على التعايش معه.
ينتحر في كل عام أكثر من ٧٠٠ ألف شخص عالميًا، وتشير الدراسات التي أجريت عام ٢٠١٨ أن ٧٩% من حالات الانتحار حصلت في البلدان المنخفضة والمتوسّطة الدّخل.
في الأسبوعين الماضيين، شهد لبنان عدّة حالات انتحار. هذا وتخلّف كلّ حالة من حالات الانتحار عمومًا مأساة تؤثّر على الأسر والمجتمعات، وتترتب عليها آثار طويلة الأمد على ذوي المنتحر وعائلته وأصدقائه.
أسباب الانتحار المحتملة عديدة، ويمكن إرجاعها لأسباب نفسيّة – اجتماعية – اقتصاديّة وحتّى جينيّة (وراثيّة)، ومن الصعب تحديد جميع الأسباب الكامنة وراءه، لكن أبرز أسبابه المحتملة هي التالية:

  • المشاكل النفسية، وأهمها الاكتئاب الحاد الذي يسبب لصاحبه الشعور بفقدان الأمل والتعب والاستسلام وفقدان الاهتمام بالأشياء وتعكّر المزاج بشكل كبير. فهؤلاء يكونون أكثر عرضة لمحاولات الانتحار، ثمّ يليهم الأشخاص المصابون بالهوس الاكتئابي، الانفصام (schizophrenia)، اضطراب الشخصية الحدية (BPD)، وفقدان الشهية العصابي (Anorexia nervosa).
  • الوضع الاقتصادي السيئ والذي يؤدي بالأشخاص إلى الميل للانتحار، هروبًا من مسؤوليات تراكم الديون وعدم القدرة على دفعها، بالإضافة إلى البطالة التي تسبّب مشاعر سلبية جدًا، وشعور العاطلين عن العمل بأنّهم أقل كفاءة من غيرهم، فيفكرون بالانتحار للتخلص من الضغوط الحياتية الصعبة وشعورهم بالعجز أمام تأمين حاجات أولادهم وعوائلهم.
  • التجارب المؤلمة، مثل فقدان أحد المقربين أو وفاته أو انتحاره، بالإضافة إلى التجارب العاطفية الفاشلة والخيانة ومشاعر الرفض. كما أنّ المسجونين أو الذين خرجوا من السجن قد يفكرون بالانتحار هربًا من مواجهة المجتمع.
  • الإدمان، سواء على تعاطي بعض العقاقير الدوائية، خاصة (مضادات الاكتئاب) دون استشارة طبيب مختص، أو على المواد المخدّرة والكحول لفترات طويلة، والذي قد يؤدي إلى ميول انتحارية خاصة في حال عدم وجود المال الكافي لشرائها.
  • الميول الجنسية المغايرة، أو المثلية الجنسية، قد تكون سببًا للانتحار، نظرًا لعدم تقبّل المجتمع والعائلة لتلك الميول، بالإضافة إلى العدائية التي يواجهها هؤلاء الأشخاص في بيوتهم والتي تساهم في دفعهم للانتحار.

وجدير بالذكر أنّه على الرغم من أنّ محاولات الانتحار أكثر تواترًا بالنسبة للنساء، فإنّ الرجال أكثر عرضة لاتمام الانتحار، وذلك بسبب استخدامهم أساليب أشد فتكًا مثل السلاح الناري.

أما هدف الانتحار فعادة ما يكون الهروب من واقع قاسٍ لا يُحتمل، وعدم وجود حلول أو آمال بحلول في الأفق لدى المنتحر، بالإضافة إلى هروبه أحيانًا من ذكريات ومشاكل موجعة نتيجة صدمات، مثل التعرض للاغتصاب أو صدمات الحروب، وفي بعض الأحيان يكون الهدف عقابًا للذات نتيجة الشعور بالذنب، أو للآخرين، كأن يُعاقب أبويه مثلًا لإهمالهما إياه.
في هذا الإطار تبرز بعض الخطوات المساعدة في الحدّ من الأفكار الانتحارية ومقاومتها والسيطرة عليها بإجراءات قد تحمي الفرد قبل فوات الاوان، منها:

  • وضع خطة مقابل هجوم الأفكار الانتحارية، وهي كتابة قائمة بالأشخاص المقربين والأصدقاء والأقارب الموثوق بهم، والاتصال بهم فورًا في حال سيطرة فكرة الانتحار عليه، فالحديث معهم سيساهم في الخروج من منطقة الخطر. كذلك من الأفضل التحدث مع هؤلاء الأشخاص وجهًا لوجه يوميًا عن الأفكار التي تراوده. فالشعور بأنّ هناك من يسمعه ويفهمه ويدعمه في المواقف الصعبة يساعد على مقاومة الأفكار الانتحارية.
  • الابتعاد عن التواجد بجانب أي أسلحة، أو التواجد بجانب أدوات قد يؤذي بها الشخص نفسه حين تواجهه الأفكار الانتحارية، كالسكاكين وشفرات الحلاقة أو حتى الحبوب الطبية. وكذلك الابتعاد عن الأشياء التي تزيد الشعور بالحزن مثل الموسيقى الحزينة أو الرسائل القديمة.
  • ممارسة النشاطات التي يحبها (زيارة الأصدقاء، المشي، السباحة، صيد السمك، تربية الحيوانات الأليفة، حضور مسرحيات وأفلام كوميدية، زراعة النباتات…)، حتّى لو كان الأمر يبدو ثقيلًا وصعبًا، فيجب إجبار الذات على تلك النشاطات. ومن الأفضل ممارسة الرياضة لما تسببه من تحسين في الحالة النفسية، ومن الممكن البدء بعشر دقائق في اليوم، حتى تصل المدة إلى نصف ساعة. كذلك فإنّ تمارين التنفّس تعتبر من النشاطات التي تساعد على تجنّب التفكير السلبي.

-التعاهد ذاتيًا بعدم تنفيذ الأفكار الانتحارية في حال سيطرت هذه الأفكار على الفرد، مهما كان يشعر بالحزن والإحباط، والاقتناع بأنها مؤقتة، وبأنه في أسوأ الأمور سينتظر مثلًا 24 ساعة على التنفيذ، فالأفكار تتغيّر من وقت لآخر، وقد يجد نفسه خلال هذه المدة قد غيّر رأيه تمامًا.

  • كتابة لائحة بالأشياء التي يقدّرها بحياته، مهما بدت بسيطة في لحظة ما، أو كتابة قائمة بدوافع العيش لديه، والتي قد تكون وجود أبنائه أو أبناء إخوته المفضّلين، أو أي شيء سيستمتع بالقيام به.
    كذلك يساعد تذكّر الأهداف القديمة (سفر، دراسة، نجاح…) وإزالة الغبار عنها في مقاومة الأفكار الانتحارية.
  • تجنّب تعاطي المخدّرات والاعتماد على الكحوليات لأنّها سوف تزيد من الأفكار الانتحارية واحتمالية إيذاء الذات بدلًا من تخدير الإحساس بالألم.

وحتّى لو تمكّن الفرد من تجاوز الأزمة بالاستعانة باستراتجيات رعاية الذات، يجب عليه التوجه للطبيب أو لمقدّم الرعاية النفسية. فإنّ ذلك يساعد على الحصول على العلاج المناسب للتصدي للأفكار والمشاعر التي تدفعه للانتحار.

إن ارتفاع عدد حالات الانتحار في لبنان في الفترة الأخيرة يرسم قلقًا اجتماعيًا، حيث أنّ العنوان المتصدّر للأسباب هو الانهيار المالي والاقتصادي والتدهور المعيشي الذي بات يوصف بأنه مزرٍ. فبالأرقام، يقدم شخص على الانتحار كلّ يومين، هذا ولا يتم الافصاح عن كل حالات الانتحار ويُستعاض عنها باعلان موتٍ مفاجئ كون انهاء المرء لحياته يُعتبر من المحرّمات اجتماعيًا ودينيًا (Taboos).

ريما كسر – أخصّائية ومعالجة نفسيّة