الحرب على غزة تزيد الاعتراف الدولي بفلسطين

من «حسنات» حرب العدو الصهيوني على قطاع غزة، بغض النظر عن إجرامه ووحشيته وعدم شرعيته، تزايد الاعتراف بدولة فلسطين دولياً، حيث تعترف بها حالياً 157 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، مع موجة اعترافات حديثة من دول أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وكندا، مما يعزز مكانة فلسطين كـ «دولة مراقبة دائمة» في الأمم المتحدة. ففي 22 أيلول/ سبتمبر 2025 اعترفت غالبية دول القارة الأوروبية بدولة فلسطين عبر إعلانات رسمية في نيويورك بعد قرابة عامين من حرب الإبادة على غزة. تلك الحرب التي قلبت الأمور رأسا على عقب وجعلت العديد من الدول في مختلف القارات تسير في الاعتراف بفلسطين.

هذه الأرقامتتزايد باستمرار لا سيما خلال العام 2025، إذ شهدنا موجة اعترافات جديدة من دول غربية (بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، كندا، أستراليا، بلجيكا، لوكسمبورغ، مالطا، أندورا، موناكو والبرتغال…) كانت مترددة سابقاً. فمنذ أيلول/ سبتمبر 2025، تم الاعتراف بـدولة فلسطين كدولة ذات سيادة من قبل ما يزيد قليلاً عن 81 في المئة من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

 منذ نوفمبر 2012 كانت فلسطين دولة مراقبة غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة مما يسمح لها بالمشاركة في المنظمات الدولية. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرّت في 29  نوفمبر 2012  اقتراحاً يغير وضع «كيان» فلسطين إلى «دولة مراقبة غير عضو» بتصويت 138 عضواً واعتراض 9 أعضاء، مع امتناع 41 عضوًا عن التصويت. وفي 17 ديسمبر 2012، قرر رئيس بروتوكول الأمم المتحدة يوتشول يون أن «تستخدم الأمانة اسم دولة فلسطين في جميع وثائق الأمم المتحدة الرسمية».

لا بد من القول أن الدوافع الرئيسية اليوم لهذا التحول، لدى كبرى الدول الغربية خصوصاً، هي الحرب على غزة، والفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية، والضغوط الداخلية التي تشهدها هذه الدول. ويرى المراقبون أن أهمية هذا الاعتراف يصب في تعزيز الموقف الفلسطيني، إلا أن البعض يطالب بخطوات عملية كوقف إطلاق النار الفعلي ووقف الاستيطان. 

مع اعتراف دول مثل بريطانيا وفرنسا، يرتفع عدد الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن إلى أربعة (الصين، روسيا، فرنسا، بريطانيا). وتبقى الولايات المتحدة الأميركية هي وحدها غير منضمة إليهم. وبالتالي يمكنها ممارسة حق النقض الفيتو مهما كان عدد المعترفين بدولة فلسطين في هذه المنظمة العالمية. ولطالما استخدمت الفيتو باستمرار أو هددت بذلك لمنع العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة.

لم يكن مسار الاعتراف بدولة فلسطين سهلاً وسريعاً، بل امتد لسنوات حتى يومنا هذا. فمنذ إعلان منظمة التحرير الفلسطينية الاستقلال في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1988 في الجزائر في جلسة استثنائية في المنفى للمجلس الوطني الفلسطيني، اعترفت 78 دولة بالدولة الفلسطينية.

بعد وقت قصير من إعلان الجزائر عام 1988، تم الاعتراف بدولة فلسطين من قبل عديد من الدول النامية في إفريقيا وآسيا، والدول الشيوعية سابقاً وغير المنحازة. مع ذلك، استخدمت الولايات المتحدة في ذلك الوقت قانون المساعدة الخارجية وغيرها من التدابير لثني البلدان الأخرى والمنظمات الدولية عن منح الاعتراف. جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي من جهتهما أصدرتا على الفور إعلانات اعتراف ودعم وتضامن مع فلسطين، وتم قبولها كدولة عضو في كلا المحفلين. في شباط/ فبراير 1989، أقرَّ ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن 94 دولة قد اعترفت بالدولة الفلسطينية الجديدة. وفي وقت لاحق، حاولت فلسطين أن تصبح عضواً في عديد من وكالات الأمم المتحدة، لكن جهودها أُحبطت بسبب التهديدات الأمريكية لحجب الأموال عن أي منظمة تعترف بها. على سبيل المثال، في نيسان/ أبريل من العام نفسه تقدمت منظمة التحرير الفلسطينية بطلب للحصول على عضوية منظمة الصحة العالمية، وهو طلب لم ينجح بعد أن أبلغت الولايات المتحدة المنظمة بأنها ستسحب تمويلها إذا قُبلت فلسطين. في أيار/ مايو، قدَّمت مجموعة من أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي إلى اليونسكو طلباً للعضوية نيابة عن فلسطين، أُدرجت فيه ما مجموعه 91 دولة اعترفت بدولة فلسطين.

بين مجموعة العشرين، أربع عشرة دولة هي المملكة المتحدة، الأرجنتين، أستراليا كندا،  البرازيل، الصين، فرنسا، الهند، إندونيسيا، المكسيك، روسيا، السعودية، جنوب إفريقيا، تركيا اعترفت بفلسطين كدولة، بينما خمس دول هي ألمانيا، إيطاليا، اليابان، كوريا الجنوبية، الولايات المتحدة لم تعترف بها كدولة. هذه الدول تتخذ موقفاً مفاده أن اعترافها بالدولة الفلسطينية مشروط بالمفاوضات المباشرة بين الاحتلال «الإسرائيلي» والسلطة الفلسطينية.

في يونيو 1989، قدَّمت منظمة التحرير الفلسطينية خطابات انضمام إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949 إلى حكومة سويسرا. ومع ذلك، فإن سويسرا، بوصفها الدولة الوديعة، قررت أنه بالنظر إلى أن مسألة إقامة الدولة الفلسطينية لم تجر تسويتها داخل المجتمع الدولي، فإنها بالتالي غير قادرة على تحديد ما إذا كانت الرسالة تشكل صكاً صالحاً للانضمام.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 1989، اقترحت جامعة الدول العربية قراراً من الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعتراف رسمياً بمنظمة التحرير الفلسطينية كحكومة لدولة فلسطينية مستقلة. غير أنه تم التخلي عن المشروع عندما هددت الولايات المتحدة مرة أخرى بوقف تمويلها للأمم المتحدة في حال إجراء التصويت. وافقت الدول العربية على عدم دفع القرار، لكنها طالبت بأن تتعهد الولايات المتحدة بعدم إعادة تهديد الأمم المتحدة بالعقوبات المالية.

في المحصلة، بين السياسة الأميركية الحليفة لدولة العدو، والمجتمع الدولي الذي ينحاز بمجمله اليوم إلى العدالة في موضوع الصراع في منطقتنا، تقف فلسطين، التي أصبح فيها قطاع غزة مدمراً، والضفة الغربية منتهكة، موقف الذي لا تنتهي معاناته في ظل وجود عدو لا يقبل الاعتراف بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *