سنوات مضت وسوريا يتم تسويقها إعلامياً على أنها دولة الإرهاب والمخدرات في كل وسائل الإعلام الغربية وعلى رأسها الإعلام الأمريكي وكل من يتبع له، يحاولون محو تاريخها الحضاري والإنساني وتدمير أي صورة لهذه الحضارة من ذاكرة المجتمعات الغربية لتبرير كل ما يتم التخطيط له لهذه الأرض لاحقاً تحت مسميات محاربة الإرهاب ومكافحة المخدرات والممنوعات.
لا يخفى على أحد دعم الولايات المتحدة الأمريكية لتنظيم القاعدة في أفغانستان إن لم نقل أنها هي من أسست هذا التنظيم أصلاً كي تحارب النفوذ السوفييتي في آسيا، وبعد انتهاء المهمة وخروج السوفييت تم استخدام هذا التنظيم لتدمير البنية المجتمعية الأفغانية من الداخل وتسويق هذه الصورة عنه فأصبحت ذاكرتنا جميعاً تربط بشكل عفوي الإرهاب باسم أفغانستان، فيكاد كلٌّ منّا يحكم مسبقاً على أي أفغاني أنه عضو حتمي في تنظيم طالبان، حتى العلمانيين منا أصيبوا بهذه الحالة فتم ما أراده الأمريكي وأصبح الوعي المجتمعي لا يتأثر إذا سمع بغارة أو قصف أو عملية عسكرية ضد الشعب الأفغاني فوعيه يتجه مباشرة إلى أنهم إرهابيين يجب التخلص منهم.
وما وقع على أفغانستان يقع على سوريا اليوم فأمريكا التي سوقت لإرهاب الدولة السورية سابقاً في عهد نظام الأسد وربط اسم هذه الدولة بتجارة المخدرات حتى بات يعتقد أغلب سكان العالم الغربي ممن يعرفون اسم هذا البلد أنه لا يوجد في سوريا إلا المدمنين وتجار الممنوعات وأعضاء التنظيمات الإرهابية المتطرفة، فلم يتم تسويق الحرب التي كانت على أنها جماعات متطرفة تحارب جيش البلد النظامي وترتكب الانتهاكات بحق الشعب، بل كان التسويق أن هناك ثلاث أطراف متناحرة هم « عصابات مخدرات الأسد، والمعارضة المعتدلة ـ التي لم يتم تعريفها يوماً ـ ، والتنظيمات الجهادية المتطرفة ـ التي يحاربها التحالف الدولي ـ ».
وبعد هروب الأسد وبمعجزة ظهر «الجولاني» كطرف منتصر وفي غياب تام لمن تم تسميتهم ـ معارضة معتدلة – وكأنهم انقرضوا تماماً أو تم تصفيتهم في الحرب التي كانت دائرة على مر السنوات، بدأ يظهر شعار الفرص الجديدة لبناء الدولة وهو شعار يلامس مشاعر كل من يحب وطنه وينبذ العنف، ولكن هل حقاً هو شعار حقيقي للمرحلة التي تمر فيها سوريا؟
كل من يقرأ ويتابع السياسة الأمريكية يعرف جيداً أن ما يجري اليوم هو تحضير لمرحلة قادمة من السقوط الجديد ،فالأمريكي اليوم الذي يدعم حكومة الجولاني سيكون هو من يسقطها غداً بعد أن تظهر تحقيقات معينة وفي وقت يناسب الأمريكي أن عناصر هذه الحكومة هم جماعات إرهابية جهادية متطرفة يجب تفكيكها والأمثلة كثيرة (مجازر الساحل والسويداء،مقتل الجنود الأمريكان منذ أيام في تدمر، وحتى أن يعاد تذكير الناس أن الجولاني كان زعيم داعش مع أعضاء حكومته بصدفة ما)، قد يكون هذا بعد ترسيخ التقسيم الاجتماعي للشعب السوري ومحو الاسلام الوسطي من ذاكرة المسلمين السنة في سوريا ومحوه أيضاً من ذاكرة من يطلق عليهم اليوم «الأقليات» فتكون مهمة الجولاني قد انتهت لتدخل أمريكا «بإنسانيتها الكبيرة» التي توزعها عبر قاذفات طائراتها على الشعب السوري الذي سيكون منقسما بين مجاهد ومهلل ـ إرهابي وخائن – ويكون الحل الأمثل هو التقسيم وطبعاً أمريكا ستكون الراعية لبناء الدول الجديدة وتنظيم مؤسساتها وجيوشها والأهم ستكون الراعي لإدارة ثرواتها التي قامت لأجلها كل هذه الحروب ونهبها.
ولكن الجدير بالذكر أن الأخطر يبدأ بعد ذلك وهو التوسع الاستيطاني الاسرائيلي الذي سيكون قد أمن القدرة البشرية للسيطرة على بقعة جديدة من الأراضي ليضمها إلى مشروعه في بناء اسرائيل الكبرى والتي يتناساها المجتمع السوري اليوم ليبرر لنفسه عدم الاعتراض على من يمثلونه ـ على اختلافاتهم – إظهار ولائهم وتعاملهم مع المحتل الاسرائيلي والذي يمثل مشروع التغيير الديموغرافي القادم لسكان هذه المنطقة بإبادة سكانها والتخلص منهم إلى الأبد وهو المشروع الذي بدأ فعلاً بترخيص جمعيات حفظ التراث اليهودي في سوريا مؤخراً لأول مرة في تاريخها.
سومر الفيصل

