في ظل مفاوضات متسارعة بين السلطتين اللبنانية والشامية والعدو اليهودي، تتبدّى أسئلة جوهرية حول طبيعة هذه المفاوضات وحجم المخاطر التي تهدد الوطن السوري بكل أجزائه. فبين مشروعٍ يهودي واستعماري معلن وسلطات تتجه نحو التنازل والاستسلام، يصبح كشف الحقائق ضرورة لا ترفاً.
قبل أن نعالج مهزلة المفاوضات الجارية بين السلطة اللبنانية والسلطة الشامية من جهة، وبين العدو اليهودي من جهة ثانية، علينا أولاً أن نعي بين من ومن تجري المفاوضات، ليكون لنا وضوحٌ حقيقي يمكّننا من قراءة الماضي والحاضر والمستقبل قراءة صحيحة ودقيقة. إن «الدولة اليهودية» المزعومة ليست دولة بالمفهوم الحقيقي لمعنى الدولة، أو الشعب أو المجتمع أو الوطن.
فإذا سألنا: من هو اليهودي؟ فالجواب معيار ديني وهمي: كل من يؤمن بالتوراة في مختلف بقاع الأرض.
وإذا سألنا: لماذا اليهود في فلسطين، وبالتالي في الوطن السوري؟ فالجواب أنهم يستندون إلى أسطورة توراتية لا تمتّ إلى الحقائق بصلة.
وإذا سألنا: أين وطن اليهود الخاص بهم؟ فالجواب بحسب الأسطورة التوراتية واعتقادهم بـ «إسرائيل الكبرى»، أي الوطن السوري. وهل احتلال اليهود للوطن السوري مبرّر توراتياً؟ نعم، كما ورد في وعد يهوه: «لك ولذريتك أعطي هذه الأرض». وهل قتل السوريين وتهجيرهم مبرّر وفق الوهم الديني اليهودي؟ نعم، هو كذلك توراتياً.
إن «الدولة اليهودية» ليست سوى خيال وأسطورة وهمية أساسها اعتقاد ديني استبدادي لا سند علمياً له، ولا صلة له بأيّ من العلوم، سواء علم الاجتماع أو العلوم السياسية. إنها كتلة بشرية هجينة، عسكرية، متوحشة، قائمة على العنصرية المجرمة، وعلى جلب اليهود من أوطانهم الأصلية ونقلهم إلى بلادنا السورية، وعلى قتل وتهجير المواطنين السوريين القاطنين في وطنهم منذ آلاف السنين، وقبل ظهور الاعتقاد اليهودي الوهمي بزمن طويل. هدف هذه «الدولة» التي تسمى «إسرائيل»، والمدعومة من كافة دول الاستعمار العالمي، هو إقامة مجتمع يهودي مصطنع في الوطن السوري، وبالتالي دولة عنصرية خالصة لليهود على كامل التراب السوري.
نحن ذاهبون إلى التفاوض مع «دولة» يهودية صهيونية مجرمة في أساس تكوينها، تقوم على الأسطورة والخيال، ومشروعها قتل الشعب السوري، وتهجيره واحتلال وطنه. وما يريده العدو من فلسطين هو قتل وتهجير كلّ من ليس يهودياً، لتصبح فلسطين دولة خالصة لليهود. وكل المشاريع والحلول التي تُطرح لحل المسألة الفلسطينية ليست سوى أوهام لا مستقبل لها، لأن قرار العدو واضح: الاستيلاء على كامل فلسطين. وكل ادّعاءاته بقبول مشاريع أو حلول ليست إلا رياءً سياسياً يقطع به المراحل لتثبيت وجوده.
أما ما يريده العدو من لبنان اليوم فهو مجموعة أهداف واضحة، منها:
اعتراف لبنان بـ «إسرائيل» كدولة حقيقية إلى جانبه، تشريع وجود المهجرين الفلسطينيين وتوطينهم في لبنان، وقمع أي حراك مقاوم يصدر عن الفلسطينيين.
كما يريد العدو السيطرة على منابع المياه ومجاريها، وسرقة الثروات اللبنانية من غاز ونفط ومعادن وآثار، خصوصاً في الجنوب. يريد كذلك أن يكون مرفأ بيروت متخلفاً عن مرافئ فلسطين المحتلة، وأن تعمل السلطة اللبنانية على قمع أي ذكر لفلسطين على أنها مغتصبة، سواء في الإعلام أو السياسة أو الأنشطة الثقافية.
ويعمل العدو على إقامة منطقة عازلة في الجنوب اللبناني، ما يعني إزالة مدن وقرى عن الخريطة الديمغرافية. ويريد من السلطة اللبنانية قمع وإلغاء شرعية أي مقاومة عسكرية أو سياسية ضدّه، وأن يمتنع لبنان عن اتخاذ أي موقف سلبي تجاه دولة الاحتلال في المحافل الدولية.
كما يضغط لانخراط لبنان في كذبة «الاتفاقية الإبراهيمية»، وفتح السوق اللبناني أمام الإنتاج «الإسرائيلي»، وربط غاز لبنان بالأنابيب التي يستخدمها العدو، وحصر سلاح الجيش اللبناني بعتاد يقتصر على مهام الأمن الداخلي، وتصفية الأحزاب الوطنية والقومية المعادية للاحتلال اليهودي.
وما يطلبه العدو من لبنان يطلبه كذلك من سلطة الشام المفاوضة له، وقد كان طلبه الأول قبل بدء المفاوضات أن تتخلى السلطة عن الجولان وعن المنطقة العازلة التي احتلّها عام 2025. وهذا بإيجاز ما يريده العدو من السلطتين اللبنانية والشامية.
وبما أن أهداف العدو واضحة ويصرّح بها قادته، فإلى أيّ استسلام ذليل تتجه السلطتان في لبنان والشام؟
ثمة سياسيون نافذون في البلدين يقولون إن المفاوضات برعاية وضمانة أميركيتين، متناسين أن الحرب التي شنها العدو على فلسطين ولبنان والشام كانت بتخطيط ودعم ومشاركة أميركية، وأن أغلب أهداف الحرب هي أهداف أميركية أيضاً: تثبيت الهيمنة على المنطقة، سرقة مواردها، منع أي استثمار وطني لتلك الموارد دون المشاركة الأميركية، ومنع تدخّل أي دولة أخرى في استثمارها.
إن خلاصنا ليس في الإذعان لشروط العدو، وليس في المفاوضات معه بينما نحن لا نملك القوة، لأن القوة وحدها تُثبِت الحق القومي. البديل عن الاستسلام هو تماسك شعبنا بالوحدة الوطنية في لبنان والشام وسائر المناطق السورية، وحشد كل الطاقات والإمكانات العسكرية والسياسية والثقافية لمواجهة الاحتلال اليهودي.
وخلاصنا هو في قيام السلطات الرسمية في لبنان، بالتعاون مع الأحزاب والمؤسسات الأهلية، بمواجهة العدو وطرده من بلادنا. كما أن خلاصنا في أن تعمل السلطات في كل الدول السورية مع الشعب السوري بإرادة واحدة ومقاومة واحدة هدفها تحقيق الحرية والاستقلال والسيادة على كامل الوطن السوري. أما أي اتجاه غير ذلك فهو ترك العدو يتقدم في قضم الوطن السوري منطقة بعد منطقة.

