لا تتوقف الأنباء عن إقدام جنود العدو الصهيوني على الانتحار نتيجة «صدمة غزة» كما يأتي على صفحات الصحف «الاسرائيلية» نفسها ووسائل إعلامه. ويأتي ذلك وسط تحذيرات من أزمة نفسية و«انهيارت» داخل قوات الاحتلال العسكرية والأمنية. بالأسماء والأعمار والرتب يورد هذا الجيش بنفسه أنباء الانتحار، مما يؤكد الأزمة النفسية التي يعانيها أفراده.
آخر هذه الأخبار إقدام جندي الاحتياط في جيش العدو نهراي رافائيل بارزاني، وهو من القدس على الانتحار، في 5 ديسمبر/ كانون الأول، وفق ما ذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية.
الحادثة مرتبطة مباشرة حسب الصحيفة «بتداعيات الصدمة النفسية العميقة الناتجة عن حرب غزة وما خلفته من اضطرابات ما بعد الصدمة بين الجنود». الخبر يثلج قلوب الغزيين الذين عانوا وما زالوا منذ سنتين من تداعيات الحرب على قطاعهم على أيدي جنود ارتكبوا جرائم وحشية بحقهم. اللافت أن روي شاليف صديق بارزاني كان قد سبقه إلى الانتحار بثلاثة أشهر. وكان الاثنان قد مرّا بمعاناة طويلة ومشتركة من اضطراب ما بعد الصدمة على مدى ثلاثة أشهر قضياها خارج «إسرائيل» في محاولة للعلاج من الألم وهما يخوضان «حرباً داخلية قاسية» لا تقل شراسة عن الحرب نفسها.
التقرير الذي نشرته الصحيفة يشير إلى أن بارزاني، الذي خدم في قوات الاحتياط حتى عام 2021، ظل يعاني من آثار نفسية متراكمة، في ظل شعور متزايد لدى المصابين نفسياً بأنهم منسيون، في وقت ينشغل فيه مجتمعهم والقيادة بملفات أخرى.
إذن نتائج الإخفاقات «الاسرائيلية» في الحرب على غزة ظهرت في العجز عن التعامل مع الجروح النفسية التي عاد بها الجنود الصهاينة من ساحات القتال، وخصوصاً من حرب غزة.
اللافت أن حالات الانتحار هذه «ليست حالات فردية» على حد تعليق الكولونيل في الاحتياط والمسؤول الأمني السابق غال دوبينر، بل تمثل «انهياراً».. ليضيف أن «النظام فشل في توفير استجابة شاملة وفعالة للمصابين نفسياً، محذراً من أن» الانتظار يعني المزيد من الجنازات.
لا يطال الانتحار الجنود في الحدمة الفعلية فحسب، بل أيضاً الجنود المسرّحين إذ كشفت صحيفة «هآرتس» مؤخرا أن ما لا يقل عن 15 جندياً مسرّحاً أقدموا على الانتحار منذ بدء الحرب على غزة، مرجحة أن تكون الأسباب مرتبطة بمشكلات نفسية ناجمة عن الخدمة العسكرية، سواء لجنود شاركوا مباشرة في الحرب الأخيرة أو لآخرين يعانون من صدمات متراكمة من حروب سابقة.
ووفقاً لإحدى محطات تلفزة العدو، يعود السبب الرئيسي لمعظم حالات الانتحار بين الجنود منذ اندلاع الحرب على غزة إلى «الواقع النفسي الصعب والمشاهد القاسية» التي شاهدوها هناك، خصوصا فقدان جنود، ونقل الكثير من الجثث والقتال العنيف والدمار الكبير.
ويشير تقرير لوكالة الأناضول إلى أن آلاف الجنود «الإسرائيليين» تم تشخيصهم باضطراب ما بعد الصدمة منذ بداية الحرب على غزة. وأظهرت بيانات رسمية أن من بين آلاف الجنود المصابين نفسياً، كثيرون لم يتلقوا دعماً أو متابعة كافية، مع إشارة إلى «نقص حاد في الموارد النفسية والعلاجية داخل الجيش» مقارنة بالحجم الحقيقي للمصابين. وقد عزز هذا الأمر ما ذكرته تقارير إعلامية أخرى تشير إلى أن آلاف الجنود يعانون من اضطرابات نفسية منذ الحرب، ويطلبون العلاج أو التأهيل النفسي، محذرة من «أزمة نفسية هيكلية داخل الجيش الإسرائيلي».
وإذ تم الكشف وفق معطيات رسمية «إسرائيلية»، عن تسجيل 279 محاولة انتحار في صفوف الجيش ما بين يناير/ كانون الثاني 2024 ويوليو/ تموز 2025، وفقدان 36 عسكرياً حياتهم بالانتحار خلال الفترة نفسها، أظهرت الجهات الرسمية الصهيونية قلقاً بالغاً حيال هذا الأمر.
ويعزو الجيش الإسرائيلي هذا الارتفاع إلى التوسع الكبير في انتشار القوات، بما في ذلك قوات الاحتياط، إضافة إلى تعرض العديد من الجنود لمواجهات قتالية شديدة داخل غزة.
صحف العدو لا تتوانى عن الحديث عن هذه الظاهرة المقلقة بالنسبة ل«الاسرائيليين». فقد أفادت صحيفة هآرتس بأن الجندي توماس إدزغوسكس (28 عاماً) قد سُرّح من الخدمة عام 2024 بسبب إصابته النفسية، وعُثر على جثته في أحد منتزهات مدينة أسدود، بعد أن ترك منشوراً قال فيه: «لم أعد قادراً، ارتكبت أموراً لا تُغتفر، هناك شيطان يطاردني منذ 7 أكتوبر. أرجو أن تنسوني».
الجدير ذكره أن الأرقام الرسمية التي تكشف عنها سلطات الاحتلال لا تعكس الواقع بالكامل، إذ تُقدّر منظمات تُعنى بعلاج المصابين باضطراب ما بعد الصدمة أن عدد المنتحرين الفعلي أكبر بكثير، ولا سيما بين الجنود المسرّحين الذين لا تُحتسب حالاتهم ضمن الإحصاءات العسكرية المباشرة. ووفق متابعة صحيفة هآرتس فأن العديد من هذه الحالات تبقى «في الظل» ولا يجري الاعتراف بها رسمياً كضحايا خدمة.
وكشفت وثيقة صادرة عن مركز البحث والمعلومات التابع للكنيست «الإسرائيلي» في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري تفاصيل وإحصائيات حول ارتفاع حالات الانتحار، فذكرت أن جميع الذين انتحروا تقريباً هم من الرجال. وكان جزء كبير من المنتحرين في السنوات التي سبقت الحرب من المقاتلين، لكنهم لم يشكلوا الأغلبية المطلقة.
مع اندلاع الحرب، انخفضت نسبة المقاتلين بين المنتحرين، ثم ارتفعت مرة أخرى في العام التالي حتى أصبح معظم المنتحرين في ذلك العام من المقاتلين. أما بشأن الرعاية النفسية، فتذكر الوثيقة أن حوالي17 في المئة فقط من المنتحرين التقوا بضابط صحة نفسية في الشهرين اللذين سبقا انتحارهم. هذا مع الإشارة إلى انتظار يدوم أشهراً للحصول على موعد وعدم تفعيل إجراءات المراقبة في بعض الحالات.
وحسب التقارير فإن «وزارة دفاع» العدو لا تذكر في تقاريرها تفاصيل حول عمر المنتحرين أو محاولي الانتحار ومدة الخدمة وبلد الميلاد والجنود غير المتزوجين (العازبين) وحاملي السلاح الشخصي وإجراءات التحقيق بعد حالات الانتحار والتسلسل العلاجي لجنود الاحتياط. ونتيجة لذلك، تظل الصورة العامة حول حجم الظاهرة وكيفية معالجتها جزئية.

