دولة الفاتيكان هي أصغر دولة مستقلة في العالم، ومقر القيادة الروحية لكنيسة الروم الكاثوليك، وبالتالي تمثل سلطة روحية لا يستهان بها ذلك أنها تشكل تمثيل الكاثوليك في العالم أجمع. نشأت في عشرينيات القرن الماضي، لكن أثرها الديني والسياسي الهائل يمتد لقرون خلت.
تلعب الفاتيكان دوراً لا يستهان به في السياسة الإقليمية والعالمية. فهي تعتمد في منطقتنا على الدبلوماسية إذ لا تمتلك أدوات ضغط مادية كالعقوبات أو القوة العسكرية، بل تحاول دعم السلام والحوار بين الأديان والحفاظ على التنوع في المنطقة عبر الاعتماد على قدرتها في بناء الجسور وإحداث تأثير هادئ من خلال الحفاظ على حيادها النسبي وصدقيتها الأخلاقية لفتح قنوات حوار بين الأطراف المتصارعة. وقد ركزت زيارة البابا ليو الرابع عشر على دعم لبنان، الذي يشهد أزمات متعددة، والحث على وقف العنف والصراعات، وتشجيع الحوار بين الأديان والطوائف المختلفة، وإعادة التأكيد على أهمية التنوع والحرية الدينية في المنطقة. ويركز الفاتيكان على الحفاظ على دور المسيحيين في لبنان كجزء أساسي من نسيج المجتمع.
ويسعى الفاتيكان إلى التأكيد على الاستقرار الإقليمي وأهميته في هذه المنطقة التي تعد منطقة حساسة. من هنا تأتي الزيارة الرسمية الحبر الأعظم البابا ليون الرابع عشر إلى لبنان كفرصة لإيصال رسائل سياسية وروحية مباشرة إلى قادة المنطقة وشعوبها.
وكان البابا، الذي يفضّل عادة استخدام لغة ديبلوماسية، صعّد في وقت سابق من هذا العام، من انتقاداته للحملة العسكرية «الاسرائيلية» في قطاع غزة.
من الأهمية بمكان الإضاءة على هذه الدولة، الأصغر في العالم. تبلغ مساحة دولة الفاتيكان 44.0 كلم مربعاً، وهي جيب جغرافي في قلب العاصمة الإيطالية روما. تحيط بالمدينة أسوار بنيت خلال العصور الوسطى، باتت تشكل حدودها باستثناء الجهة الجنوبية الشرقية، حيث تنفتح ساحة القديس بطرس على مدينة روما.
تأسست دولة الفاتيكان في 11 شباط/فبراير 1929، عقب اتفاقيات «لاتران» التي تم توقيعها يوم 7 يونيو/حزيران 1929 بين الكرسي الرسولي والمملكة الإيطالية ممثلة بالحكومة الإيطالية التي كان يرأسها بينيتو موسوليني، والتي حصلت بموجبها الفاتيكان على استقلالها.
نظمت هذه الاتفاقيات العلاقة بين الفاتيكان والدولة الإيطالية، ونصت على أن يكون الفاتيكان بحدوده الحالية دولة مستقلة عن إيطاليا يديرها البابا الذي يمارس السيادة عند انتخابه رئيساً لكنيسة الروم الكاثوليك ويتمتع بسلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية مطلقة داخل مدينة الفاتيكان.
ما من لغة رسمية في الفاتيكان كونها دولة متعددة الأعراق، لكن ينظر للاتينية باعتبارها اللغة الرسمية للكرسي الرسولي، وتستخدم في إصدار جميع الوثائق والمعاهدات، في حين تستخدم الإيطالية في الحياة اليومية.
أما بالنسبة للنظام السياسي، تخضع الفاتيكان لنظام بابوي ثيوقراطي مطلق، حيث يتولى البابا زعامة الكنيسة الكاثوليكية ووظيفة أسقف روما. يتم انتخاب البابا في «المجمع السري» المكون من جميع الكرادلة، الذين يعرفون باسم «أمراء الكنيسة». ويعد هذا المجمع أعلى هيئة استشارية في الكرسي الرسولي.
رغم تمتعه بصلاحيات غير محدودة في تدبير الشؤون الإدارية والسياسية والقانونية، إلا أن البابا لا يمارس أيا منها فعلياً، حيث يفوض إدارتها لرئيس وزراء دولة الفاتيكان، المنصب الذي يشغله عادة كاردينال كنسي يعينه البابا.
وبصفتها الكرسي الرسولي، فإنها تستمد دخلها من المساهمات الطوعية لأكثر من مليار من الروم الكاثوليك في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن الفائدة على الاستثمارات، وبيع الطوابع ،والعملات المعدنية والمطبوعات.
يُعرف الفاتيكان بالمتاحف والمعارض الفنية الخاصة به، وهو يمتلك مجموعات فنية لا تقدر بثمن. ويضم مكتبة تحوي مخطوطات قيّمة جداً، تبلغ نحو 150 ألف مخطوطة تعود إلى عصور ما قبل المسيحية وبداياتها، فضلا عن 1.6 مليون كتاب مطبوع.
لا توجد في الفاتيكان ضريبة دخل ولا قيود على استيراد أو تصدير الأموال. وبصفتها الكرسي الرسولي، يأتي جزء كبير من دخلها من مساهمات أكثر من مليار كاثوليكي حول العالم، فضلا عن الفائدة على الاستثمارات، وبيع الطوابع ،والعملات المعدنية والمطبوعات.
وفقاً لإحصاءات 2025، يبلغ عدد سكان الفاتيكان أكثر من 500 نسمة، الغالبية العظمى منهم من رجال الدين والموظفين العاملين في الدولة وأفراد الحرس السويسري المكلفين بتأمين الحماية للبابا.
تمتد سلطة الكرسي الرسولي على الكاثوليك في جميع أنحاء العالم. ويقدر عدد المنتمين للكنيسة للكاثوليكية حول العالم بـ 1.3 مليار شخص، بحسب إحصاءات الفاتيكان، وأكثر من أربعين في المئة منهم يعيشون في أمريكا اللاتينية، لكن أفريقيا خلال السنوات الأخيرة شهدت أكبر تزايد في عدد أفراد الكنيسة.
ويصل عدد الكاثوليك في أمريكا اللاتينية نحو 500 مليون شخص وهم يمثلون أكثر من 40 في المئة من إجمالي عدد الكاثوليك حول العالم، وهناك 4 دول في أمريكا اللاتينية من بين الدول العشر الأعلى في العالم من حيث السكان الكاثوليك.
ويوجد في البرازيل أعلى نسبة من أتباع الكنيسة الكاثوليكية مقارنة بأي دولة أخرى، ويتجاوز عددهم 150 مليون شخص، بينما تضم إيطاليا أكبر عدد من الكاثوليك في أوروبا ويصل عددهم إلى 57 مليوناً، في حين يوجد في الكونغو الديمقراطية أعلى عدد من السكان الكاثوليك في أفريقيا وتحتل الكونغو المركز التاسع على مستوى العالم بنحو 36 مليون شخص. ومنذ عام 1970 شهدت آسيا نمواً أيضاً بلغت نسبته نحو 12 في المئة من إجمال عدد السكان الكاثوليك في العالم، أو نحو 137 مليون شخص. وشهدت أفريقيا نمواً في عدد الكاثوليك من 45 مليوناً في عام 1970 إلى 176 مليوناً عام 2012.
الجدير ذكره أخيراً أن للفاتيكان سفارات في العديد من دول العالم، وتم تصنيف مدينة الفاتيكان كموقع للتراث العالمي لليونسكو في عام 1984.

