يرى رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو انه الاحق في قادة الدولة العبرية الحديثة بحمل لقب ملك اسرائيل واسد يهوذا، فهو المعادل العصري لملوك التوراة الذين تصارعوا مع اجدادنا ومنهم من يحوز على اعجاب نتنياهو مثل الملك شاؤول، ونتنياهو ولا ريب يماثلهم ليس في طول مده بقائه في سدة الحكم وفي الجلوس وراء مكتب رئيس الوزراء وانما ايضا بالقسوة والدموية والفساد الشخصي تلك الصفات التي ميزت ابطاله ابطال التوراة القدامى وانبيائها الذين تورد التوراة قصصا مطولة عن سفالتهم وسرقاتهم وفسادهم الاخلاقي.
تشكلت حكومة نتنياهو الحالية في اليوم الاخير من عام 2022 بعد مخاض طويل وراهن كثير من المختصين بالشأن الإسرائيلي، انها لن تعمر طويلا ان بسبب الخلافات التي سوف تعصف بالائتلاف الحاكم وان بسبب الدعاوى المنظورة امام المحاكم الإسرائيلية التي تتهم نتنياهو بالفساد المالي في قضايا كبيرة تتعلق بعمولات تلقاها في صفقة شراء الغواصات الألمانية، وصغيرة تصل الى اثمان السيجار الكوبي وقوارير الشمبانيا. كذلك كان التقدير بان نتنياهو لن يحظى بدعم الإدارة الديمقراطية في واشنطن التي عمل علناً ضدها في الانتخابات الأمريكية الرئاسية، ثم بسبب الحرب الطويلة على غزة والتي ادت من جانب، الى عزله، نسبية لإسرائيل والتي لم تحقق بها حكومة نتنياهو، اهدافها المعلنة او المضمرة التي ادعتها، من جانب اخر.
كذبت الايام تقديرات المختصين السابق ذكرها فالحكومة سوف تتم عامها الثالث في نهاية هذا الشهر، وبهذا أصبح من الواضع انها ستكمل فترتها البرلمانية وستدخل في عامها الانتخابي الذي تتحضر له كافة القوى السياسية في الصيف القادم.
لا يستطيع نتنياهو ان يستثمر نجاحاته في الحرب على غزة في هذه الانتخابات كما ان السمعة غير العطرة وقضايا الفساد التي لا زالت منظورة امام المحاكم سوف تكون مادة خصبة للخصومة فما الذي يستطيع بنيامين نتنياهو ان يقدمه لناخبيه في حملته الانتخابية.
لا زال يملك اوراق قوة قد تستطيع ابقاءه في موقعه، واول هذه الاوراق هي في الدعم وغير المنظور الذي يقدمه له صديقه وحليفه الرئيس الامريكي دونالد ترامب والذي طلب علنا اثناء خطابه في الكنيست من الرئيس الإسرائيلي، العفو عن نتنياهو، وهو الامر الذي فاجا الاخير كما فاجا المجتمع الاسرائيلي والقضاء اذ كيف يمكن العفو عن متهم والقاعدة القانونية التي يعرفها صغار طلاب المدارس في الصفوف الاولى تقول، ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته ونتنياهو لا زال غير متهم في هذه القضايا.
الصحيح في القانون ان تتم محاكمته ثم ادانته ليستطيع رئيس الدولة اصدار عفو خاص ومن هنا فان الضغط الامريكي سيذهب باتجاه اسقاط التهم لا العفو وهذا ممكن في دولة تعرف في النهاية ان رغبات الرئيس الامريكي ان أصر عليها فإنها ليست اقل من اوامر لا يمكن الا ان تلبيها.
المادة الانتخابية المتاحة التي سيلجأ اليها بنيامين نتنياهو هي في تصاعد الدموية والاجرام الذي تقوم به حكومة الاحتلال ان في الضفة وان في غزة.
في غزة تشهد مدينة رفح وضعا استثنائيا فالاحتلال يدعي ان عناصر المقاومة لا زالوا موجودين بأعداد كبيرة ويتحصنون في الانفاق وان خمسة منهم قد خرجوا اول امس من احد الثقوب ليشتبكوا مع قوة اسرائيلية راجلة، وانهم قد اعطبوا دبابة مير كافا واصابوا اربعة جنود احدهم بحالة الخطر، اعتبرت اسرائيل ان وجود جنودها في ذلك المكان امر طبيعي اما الاشتباك معهم فهو خرق خطير من قبل المقاومة لوقف اطلاق النار وبذلك فان الجيش الاسرائيلي يستعد لحملة كبيرة ضد مدينة رفح لا بل ضد كامل قطاع غزة تحت الحجة ذاتها ،ويهدد بجولة جديدة من عمليات الاغتيال لقادة المقاومة.
اما في الضفة الغربية فهي تعيش اجواء تصعيد اسرائيلي مع حملة تحريض وتعبئة لجموع المتطرفين من المستوطنين. هذا التصعيد الاسرائيلي أصبح يستبيح كامل الضفة الغربية ومناطق «ألف» التي تقع تحت سيادة السلطة الفلسطينية في رام الله، وتترافق مع الاعتقالات العشوائية وتخريب البنى التحتية للمدن والقرى والمخيمات وشمل الدخول البيوت لسرقة الاموال والمصاغ وتكسير ما تبقى من اثاث منزلي وذلك كله يتم بقرار من قيادة الجيش ورئاسة الحكومة.
تحريض المستوطنين الذين يجتاحون المدن والقرى ويسرقون المواشي ويقطعون الاشجار وتعدهم الحكومة بتسريع قراراتها بضم الضفة الغربية وهي القرارات التي عرقل تنفيذها قيام الحرب في غزة، وتعدهم بطرد الفلسطينيين منها، هذا سوف يترافق مع جولة واسعة لمصادرة كثير من الاراضي والى اقامة المشاريع الشيطانية من نوعين: الاول مشاريع عملاقة بالحجم والقدرة الصناعية الإنتاجية والثانية مستوطنة عدوانية هدف المستوطنين منها جعل حياة الفلسطيني جحيما لا يطاق لدفعه للهجرة.
ينتظر الفلسطيني الانتخابات الأمريكية ونتائجها، وما ان يثبت الرئيس الامريكي إقدامه في البيت الابيض إذا بنا ننتظر نتائج الانتخابات (الإسرائيلية) وهكذا يتم الدوران في هذه الحلقة المفرغة.
لكن السؤال الاهم الذي يطرح نفسه بقوة: هل يختلف نتنياهو عن خصومة في المجتمع المعادي في سياساته ضد الامة جمعاء، ام ان الخلاف بينهم هو حول قضايا نحن خارجها؟

