في لبنان اليوم، يعيش الشعب مأساة مركبة: انهيار اقتصادي، فساد سياسي، انهيار مؤسسات الدولة، وانتهاكات إسرائيلية مستمرة، بينما العالم بأسره يعلم أن لبنان ليس صاحب قرار الحرب أو السلام. ومع ذلك، جاء خطاب البابا ليُركز على السلام، وكأنه ينسى أن القرار الفعلي محكوم بأيدي إسرائيل فقط، ما يطرح تساؤلاً حول ما إذا كان هذا الخطاب مجرد رسالة رمزية، أو غطاءً لإخفاء الاستسلام الفعلي أمام الهيمنة الدولية والاحتلال الإسرائيلي.
في الوقت الذي يختبئ فيه الشعب اللبناني بين الانهيار الداخلي والضغوط الخارجية، يبدو أن خطاب السلام يتحول إلى أداة تحييد الشعب عن مواجهة الواقع الحقيقي.
خطاب السلام: رمزية بلا قوة
ركز البابا في زيارته على موضوع السلام، متحدثًا عن الحوار والأخوة والتعايش، دون الإشارة إلى الواقع الميداني المأساوي:
- إسرائيل تواصل انتهاكاتها الجوية والبرية والبحرية للبنان¹.
- السيادة اللبنانية محدودة، والقرار العسكري والسياسي ليس بيد الدولة اللبنانية، بل بيد الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه الدوليين².
- الحديث عن السلام، دون مواجهة القوى المسيطرة على القرار، يصبح شعارًا بلا مضمون، وكأنه يشير ضمنيًا إلى قبول الاستسلام للواقع القاسي.
هذا التركيز على السلام، دون ذكر أصل المأساة، يجعل الخطاب البابوي يبدو منفصلًا عن حقيقة الأزمة، ويترك الشعب اللبناني في حالة انتظار وهمية، بدل العمل لمواجهة الانتهاكات والسيطرة على القرار الوطني.
الانتهاكات الإسرائيلية: فرض واقع القوة
لبنان يعيش حصارًا داخليًا وخارجيًا في الوقت ذاته:
- الانتهاكات العسكرية المباشرة: غارات على الجنوب والبقاع، قصف للبنية التحتية، واستهداف المدنيين³.
- الضغوط الاقتصادية والسياسية: حصار مالي دولي، فرض عقوبات، وتهديد للاستقلالية السياسية للبنان⁴.
- السيطرة على القرار الأمني والعسكري: كل مبادرة لبنانية تتعرض للتقييد، مما يجعل لبنان غير قادر على تقرير سلامه أو دفاعه.
في هذه البيئة، يصبح خطاب السلام الخارجي مجرد رتوش رمزية على مأساة شعب بلا سيادة.
الفساد الداخلي: استسلام داخلي مقابل تحييد الشعب
الفساد السياسي والمالي الداخلي يتقاطع مع الهيمنة الإسرائيلية والدولية ليحصر الشعب اللبناني في فخ الاستسلام القسري:
- سرقة ودائع المودعين وغياب العدالة، ما يحرم الشعب من الحقوق الأساسية⁵.
- تدمير مؤسسات الدولة وإفشال أي إصلاح حقيقي.
- استمرار انهيار الخدمات الأساسية، ارتفاع معدلات الفقر والجوع، وزيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية، ما يجعل لبنان يعيش تحت رحمة القرار الدولي، بدلًا من صنع مصيره.
خطاب البابا حول السلام، في ظل هذا الواقع، يبدو أداة لتهدئة الضمير العالمي دون تقديم دعم حقيقي للشعب اللبناني، وكأن السلام المطلوب هو سلام الاستسلام وليس السلام العادل.
الفاتيكان بين الرمزية والعجز
يمكن تفسير الصمت أو التركيز على السلام في خطاب البابا بعدة أبعاد:
- الرمزية الصامتة: محاولة للحفاظ على دور روحي عالمي بدون التدخل في السياسات الكبرى التي تحكم مصائر الدول.
- الحدود الواقعية للكنيسة: في عالم تتحكم فيه القوة العسكرية والمال والسلاح، يصبح تأثير الكنيسة محدودًا أمام القرارات المصيرية المتعلقة بالحرب والسلام⁶.
- التواطؤ الضمني: إن لم يكن العجز، فقد يكون الصمت جزءًا من شبكة مصالح عالمية تحافظ على الوضع الراهن، بما في ذلك الاستسلام الجزئي للبنان تحت الضغط الدولي والإسرائيلي.
النهج النهضوي: مواجهة الواقع لا الرمزية
النهضة الحقيقية تتطلب:
- إدراك أن لبنان لا يملك قرار الحرب والسلام: كل خطاب عن السلام يجب أن يُقرأ ضمن سياق الهيمنة الدولية والإسرائيلية⁷.
- المواجهة الداخلية: الضغط على السلطة السياسية لإعادة الحقوق المفقودة، محاسبة الفاسدين، واستعادة سيادة القرار الوطني.
- رفض الاستسلام الرمزي: أي خطاب عن السلام دون قوة حقيقية لمواجهة الاحتلال والانتهاكات هو مجرد تهدئة وهمية، لا تنقذ الشعب ولا الوطن.
الكنيسة، لو أرادت أن تكون قوة أخلاقية حقيقية، يجب أن تدعم هذا النهج المقاوم، وليس أن تتحول إلى أداة تهدئة رمزية تقنع الشعب بالانتظار دون عمل.
الخلاصة
خطاب البابا حول السلام في لبنان يبدو بعيدًا عن الواقع، ويرسم صورة سلام بلا قوة، سلام الاستسلام. إسرائيل هي صاحبة القرار الفعلي، والشعب اللبناني تحت السيطرة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
النهضة الحقيقية تبدأ بإدراك الشعب لمحدودية الخطابات الرمزية، وبالمواجهة المباشرة للفساد الداخلي، واستعادة الحقوق، والضغط على القوى الأجنبية والإسرائيلية، لفرض سلام حقيقي قائم على العدالة والسيادة، لا على المظاهر الرمزية التي تخفي الواقع.

