فرنكفونيي بلادنا بين خيار مقاومة ديغول اوخيانة فيشي

في لبنان والشام ما زالت ذيول الثقافة الفرنسية ماثلة لدى غالبية السياسيين الرسميين، وهؤلاء يدّعون أنهم من حماة الفرنكوفونية وحراس الوصل الثقافي بفرنسا، دون أي اهتمام بالثقافة السورية أو إظهار مكامن الجمال فيها. وفي هذه المرحلة التي تمر بها الأمة، الواقعة تحت رحمة الهيمنة الأميركية وأداتها الجيش اليهودي المحتل، يستمر السياسيون الرسميون في إغلاق آذانهم عن الصوت القومي الوطني، وإغماض أعينهم عن قراءة المفاهيم النهضوية التي أسسها المعلم سعاده، وكأنهم يصرّون على اجترار الماضي بعينٍ عمياء عن مستقبل الأمة.

ولأن المقارنة الأخلاقية والسياسية ضرورية، نعرض أمامهم كيف تعامل الشعب الفرنسي مع ألمانيا أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا. ففي عام 1940 سقطت فرنسا وانهارت أمام الجيش الألماني، وتم احتلالها. عندها سارع أصحاب النفوس الضعيفة وأصحاب النفعية الفردية إلى ممالأة الاحتلال الألماني، ونصّبت حكومة فيشي نفسها ممثلة لفرنسا، مستسلمةً لشروط العدو الألماني النازي. فقيدت القرار السياسي تبعاً للإرادة الألمانية، ونفّذت السياسات التي تلائم رغبات المحتل، وسهّلت نهب الموارد الفرنسية لصالح الجيش الألماني، وقمعت المقاومة الفرنسية، بل ووقفت في وجه كل عمل مقاوم يسعى لحرية فرنسا. ورفعت شعاراً مخادعاً يقول: «السلام مع ألمانيا هو الطريق الوحيد لإنقاذ فرنسا».

لقد مكنت حكومة فيشي ألمانيا من كل شيء، ولم تحمِ الشعب، ولم تعِد بناء الدولة، ولم تمنع الإذلال والانقسام، وكانت الواقعية السياسية التي نادت بها مجرد اسم آخر للاستسلام الذليل.

في المقابل، قاد شارل ديغول المقاومة لتحرير فرنسا، وقاد معها إرادة الشعب الفرنسي وقراره الحر بأن لا بقاء إلا بالتحرير ولا هوية إلا بالحرية. وانتصر خط ديغول، وانتصر معه مبدأ الحرية والسيادة والاستقلال. وعلى هذا الأساس، فإن السياسيين الرسميين في الشام ولبنان ممن يتفاخرون بفرنكفويتهم، إنما يتعيّن عليهم أن يحددوا موقعهم: هل هم ورثة حكومة الذل والهوان والاستسلام، أم ورثة مقاومة ديغول التي أعادت لفرنسا كرامتها؟

فبقايا السياسة الفرنسية والثقافة الفرنسية في لبنان والشام عليهم أن يختاروا ما هو جميل وراقٍ في الثقافة الفرنسية، وأن يتماهوا مع القيم العالية التي تحملها الأمة الفرنسية. وإذا كانوا يرفضون الثقافة السورية الراقية، المكتملة بشروط الوعي والإدراك للقيم الإنسانية العليا من حرية وواجب وقوة ونظام وسيادة واستقلال، فعليهم أن يكونوا على الأقل فرنكفونيين حقيقيين، يستلهمون حقيقة القيم الفرنسية لا قشورها. وإن فعلوا ذلك، فواجبهم أن يعلوا قيمة الوحدة الوطنية في وجه الاحتلال اليهودي والهيمنة الأميركية، وأن يرفضوا الاستسلام أمام العدو أمام كل شكل من أشكال الضغط. وعليهم أن لا يتنازلوا عن خيرات الوطن ومقدراته، وأن يتمسكوا بالسيادة على كل شبر من الأرض. وعليهم هم تحديداً أن يكونوا ممن يعِدّ العدّة للمقاومة، ويجمع حولها الشعب، لا أن يحاربوها أو يقمعوها أو يضعفوها أو يسعوا للتخلص منها.

وعلى بقايا الاستعمار الثقافي، من سياسيين رسميين أو أحزاب أو جمعيات، أن يتعظوا من المصير الذي آلت إليه حكومة فيشي، وما أصابها من مهانة على يد المقاومة الفرنسية بقيادة ديغول. وعلى المقاومة في سورية كلها، وليس فقط في لبنان والشام، أن تدرك وحدة مصيرها، وأن تشدّ روابط وحدتها، وأن تبقي بندقيتها مصوّبة دائماً نحو صدر العدو اليهودي وحلفائه. فشعبنا واحد، ومجتمعنا واحد، وأرضنا واحدة، ومصيرنا واحد، وحياتنا واحدة. وبقدر ما ندرك هذه الوحدة ونتشبث بها، يكون النصر آتياً لا محالة، والعدو إلى زوال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *