الثقافة القومية ومسؤوليتها التاريخية

في أمة حبلى بالاحداث كأمتنا. أمة اعطت العالم نور الحضارة، وكانت ومازالت محط أنظار العالم. نجد أنفسنا نواجه تحديات كثيرة، وأكبر تحد هو مكانتنا بين الامم، والتي تواجه خطراً وجودياً.

أن مهمتنا هذه لن تنجح إلا إذا أمنّا ايماناً راسخاً بأن أمتنا يسكنها شعب واحد، وأن الحدود المصطنعة القائمة حالياً، هي من إفرازات الاستعمار، ونتيجة للهزائم التي حلت بنا. وهذا ما يعطي النضال قيمته الفعلية.

لقد مارست علينا القوى الاستعمارية ضغوطاً هائلة لكي نرضخ لمطالبها. ليس أشدها الضغط العسكري والاقتصادي. بل ضغط أدهى، وهو الغزو الفكري، والذي يحاول الاعداء من خلالها محاربة كل فكرة نهضوية، ووصمها بالتخلف والجمود.وبأننا انغلاقيين متقوقعين أرهابيين نرفض الانفتاح على العالم. والمؤسف أن بعض كتابنا سخر قلمه لهذه الدعاية، كما لعبت بعض وسائل الاعلام دوراً في الترويج لها.

لقد أعدّ لنا الاعداء خطة طويلة النفس، ودراسات نفسية ذكية وقع بعضنا فيها، فانجرف في خطوات تتسم بالانفعالية، ودخل سوق التشكّيك في مقدّرة شعبنا على المضي في النضال حتى النهاية. وراح يحاول تصوير العدو الاسرائيلي بأنه مارد لايمكن التصدي له، وأننا ضعفاء لاحول لنا ولاقوة.

صحيح أنه قد جرى إلحاق الهزيمة بأمتنا في أكثر من جولة من جولات الصراع مع العدو، ولكنها مع ذلك لم تندحر. والفرق شاسع بين المفهومين. فالهزيمة تكون في الميدان. أما الاندحار فيشمل الانهيار السياسي والاقتصادي والفكري، وأن تعيش أمتنا مقهورة ذليلة إلى الابد، وأن نبقى سجناء حدودنا المصطنعة.

فبعد كل هزيمة هناك ثورة جديدة، وهذا ما اثبتته المقاومة الوطنية عام 1982. وهنا تكمن عظمة الامة وقوتها وفعاليتها. إن النضال ليس صناعة ، بل هو أيمان بقضية. وقضية شعبنا معروفة وواضحة. وعلينا وعي المسؤولية، وهي منع العدو من تدمير أرادتنا ونفسيتنا قبل تدميرنا عسكرياً. وجعلنا ننكفئ عن ممارسة أي دور نضالي.

ومن هنا نفهم المحاولات المتكررة من قبل اعدائنا، وفي طليعتهم الكيان الصهيوني لمحوا تراثنا وثقافتنا وتاريخنا، وذلك من خلال توجيه الضربات المتكررة لنا. والسبب يكمن في الخوف من تمكن امتنا من إعادة توحيد صفوفها وقواها، واستعادة السيطرة على ثرواتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي، مما يعني وضًع حد لسيطرة القوى الاجنبية، وصولاً إلى تحرير فلسطين.

إن «إسرائيل» تحاول من خلال الهجمات الخاطفة واستباحتها السماء والأرض، واستمرار الاغتيالات التي تنفذها في كل من غزة وبيروت، تفتيت معنوياتنا بالدرجة الاولى ، وصولاً إلى تحقيق هدفها الرئيسي هو إنهيار المقاومة.

أما لماذ ا لم تستطع اسرائيل تحقيق اهدافها حتى الان، فالسبب يعود بالدرجة الاولى إلى أن شعبنا أحترف الحضارة. وهو قديم قدم الارض التي يسكن فيها.

وفي النهاية لابد من القول إن المواجهة ليست عسكرية فقط، وانما هي ايضا ثقافية سياسية ايضاً، ولا بد منها لمنع إسقاط الواقع الداخلي ،لا بل ضرورية جدا لتحقيق التماسك لشعبنا.

إن المواجهة الثقافية والفكرية والاعلامية هي جزء لايتجزاء من

أمننا القومي. وكما يقول أحد الباحثين « أن القوة العسكرية ليست الأمن القومي بل هي أحد روافده فقط».

وهذا يعني إن هذه القوة يجب أن تتطابق مع مكونات اخرى أساسية ، وأبرزها الثقافية والسياسية والاجتماعية، وذلك في سبيل تحصين المجتمع، وتمكينه من حماية ذاته.

نبيل المقدم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *