وبالتأكيد اليقين، في محصّل ثقافتنا النهضويّة، أنّ المسيحيّة الآراميّة كما الإسلام أسّساً لوحدة الأسواق والتجارة في الشرق الأدنى، ومهّداً لانفتاح الطرق ولسلامة التبادل والقوافل، ولوحدة النقد والعملة والشرائع الاقتصاديّة والمدنيّة في جميع أرجاء الدولة العربيّة ومع المتعاهدين في أدنى الأرض وأقصاها.
«نحن» لم يعد يكفينا أن ننتمي إلى طبقة مجتزاه دون وحدة المجتمع، ولا إلى وطن منقوص ومحصور ومقزّم، في القرن الحادي والعشرين. فليس يقال عندنا أنا كورسيكي أو أنا بلجيكي أو أنا كريتي بغير إدراك لحتمية انصباب القوميّات الفرنسيّة والإيطالية واليونانية وسواهن في الهويّة الأوروبية الجامعة. الخطاب الانعزالي الكياني ـ أي الإقطاعي والطوائفي والمذهبّي والانتدابي ـ قد يدغدغ قبليّتي وعشائريّتي وطائفيّتي وإقطاعيّتي وقرويّتي الرومنسيّة، وعروبة لفظية عاطفية بدائيّة ومهزولة. ولكننا لسنا نقبل، كقوميين ونهضويّين، ولن نكتفي بوطن تقزّمه وتهجّره فتلغيه حروب أهلية مفتعلة وفتن ومذابح همجية.. أنا النهضوّي لا أريد وطناً شيوخه وشبيبته متخاصمون طوال العمر والدهر، فيما شبابه يهاجرون مثقفين ومتعلّمين وجامعيين، فيبنون أوطان الأمم فيما وطنهم يتشلّع ويتهمّش في فوضى تدور وأرض تبور مشاعاً لشذّاذ الآفاق وللتصحّر والفناء.
د. شوقي خير الله

