حتى الرياضة لم تسلم من الاعتداءات الصهيونية على غزة والغزاويين. الملاعب والصالات الرياضية والرياضيين لم يسلموا من الاعتداءات «الاسرائيلية» وتدميرها الوحشي. إلا أن الرد على هذا الأمر جاء من إقليم الباسك الاسباني الذي استضاف مباراة ودية في كرة القدم بين منتخبه والمنتخب الفلسطيني. اللقاء أو المباراة حملت رسالة رمزية سياسية أبعد من حدود كرة القدم حيث احتشد 53 ألف شخص على المدرجات، وخصصت العائدات المالية بالكامل لدعم غزة.
المواجهة بين الفريقين الرياضيين في ملعب ماميس في بلباو شمال إسبانيا اكتسبت أهمية خاصة لدى الجماهير الفلسطينية التي تابعتها بوصفها مساحة نادرة لرفع اسم فلسطين في المحافل الرياضية. وقد اعتُبرت هذه المواجهة «احتفالاً بالقيم المشتركة في الحرية والصمود»، ورسالة تعاطف قوية مع الشعب الفلسطيني وسط الأزمة الإنسانية في قطاع غزة. وقد رُفعت فيها شعارات ضد الإبادة الجماعية في غزة وتزينت بالأعلام الفلسطينية، وعُزف النشيد الوطني الفلسطيني في أوروبا لأول مرة بتاريخ المنتخب الفلسطيني.
سبق المباراة مسيرة حاشدة جابت شوارع مدينة بلباو، شارك فيها آلاف المتظاهرين تحت شعار «وقف الإبادة في غزة»، مشددين على ضرورة ملاحقة جميع الضالعين والمتواطئين في ارتكابها، مما أضفى على المباراة طابعا إنسانياً وسياسياً عزز من رمزية الحدث. كما طالبوا بإلزام «إسرائيل» باحترام القانون الدولي والانسحاب غير المشروط من جميع الأراضي المحتلة. ودعوا لمقاطعة هذا الكيان وداعميه، وتمكين الفلسطينيين من حقهم المشروع في دولة مستقلة كاملة السيادة.
إلا أن اللافت في الميدان الرياضي هي مواقف المدرب الاسباني بيب غوارديولا المدير الفني لنادي مانشستر سيتي الداعمة لغزة والغزاويين والمنتقدة لما يتعرضون له، والذي دعا قبيل مباراة كرة القدم بين المنتخب الفلسطيني ومنتخب كاتالونيا (غوارديولا ابن إقليم كتالونيا) في 18 الجاري على ملعب لويس كومبانيس الأولمبي في برشلونة، دعا جماهير المدينة لملء مدرجات الملعب تعبيراً عن التضامن، كون المباراة برأيه تتجاوز الحدث الرياضي، موجّهاً انتقاداً واضحاً لصمت المجتمع الدولي، كونه منح «إسرائيل» مساحة لتدمير شعب بأكمله، ومؤكداً أن الرمزية التي تحملها مباراة كتالونيا وفلسطين يمكن أن تسهم في تعزيز الوعي العالمي بالقضية.
من الأهمية بمكان الإضاءة على الأعمال الوحشية للعدو الصهيوني التي طالت كل ما له صلة بالرياضة والرياضيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة للتدليل على همجية هذا العدو الذي لا يوفر أي منحى من مناحي الحياة في هذه الأراضي إلا ويستهدفها. الملاعب وصالات الرياضة سُوّيت بالأرض، وأكثر من 292 منشأة رياضية بين ملعب وصالة رياضية ومقر إداري دُمّرت بالكامل، وجرف بعضها تماماً، وقصف بعضها، وحولت الملاعب إلى معسكرات اعتقال وتعذيب، واستشهد آلاف الرياضيين أو جُرحوا أو فقدوا نتيجة العدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، ولا يزال هناك رياضيون ومدربون معتقلون وآلاف الجرحى. ووفق أحدث إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني، قتلت «إسرائيل» أكثر من 894 من الرياضيين في غزة منذ انطلاق الحرب، بينهم عدد كبير من الأطفال. ومنذ بدء العدوان «الإسرائيلي» في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 توقفت جميع الأنشطة الرياضية الفلسطينية مع تدمير الاحتلال البنية التحتية للرياضة في الأراضي الفلسطينية.
رغم هذا الوضع الرياضي المدمَّر، ما زال الرياضيون الفلسطينيون يشاركون في جميع المنافسات الدولية الرسمية، ومنها في الرياض حيث شاركوا بـ 56 رياضياً، من بينهم 13 لاعبة، وتمكنوا من إحراز عدد من الميداليات. إلا أن البنية التحتية الرياضية التي دُمّرت بالكامل تحتاج إلى إعادة بناء، وكذلك تحتاج الكوادر الرياضية إلى إعادة تأهيل بعد أن فُقِد مئات الرياضيين والمدربين والإداريين خلال العامين الماضيين. ومن أجل ذلك اقترحت اللجنة الأولمبية الفلسطينية إنشاء صندوق لدعم الرياضة الفلسطينية والمساهمة في إعادة بناء المنشآت الرياضية ودعم استئناف النشاط الرياضي لا سيما من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الإسلامي.
إذن الدمار الكبير لحق بالمرافق الرياضية، من بينها منشآت عريقة عاشت وشهدت مباريات دولية وأحداثا بارزة. ملعب اليرموك هوأحد أقدم الملاعب الفلسطينية، تأسس في 1952، ويتسع لـ 9 آلاف مشجع ، وكذلك يعدّ ملعب رفح البلدي من أقدم ملاعب القطاع، وقد تأسس عام 1953، وتستخدمه أندية رفح في مبارياتها الرسمية. وقد تحول في فترات طويلة لمركز إيواء للنازحين. ملعب فلسطين الذي تأسس عام 1999 يعد الأشهر والأكبر في غزة، ويتسع لنحو 10 آلاف مشجع. ويعد ملعب بيت لاهيا من أكبر ملاعب شمال القطاع، وقد تعرض لعدة استهدافات منذ بداية الحرب. أماملعب بيت حانون في شمال القطاع أيضاً، فقد تعرّض لدمار كامل.ملعب المدينة الرياضية في خان يونس من جهته شهد على جرائم الاحتلال «الإسرائيلي» ضد الرياضة، حيث اجتاحته آليات الاحتلال وجرفته بالكامل خلال العملية البرية في خان يونس مطلع 2024.
من ناحية أخرى تم توثيق تدمير 22 مسبحاً وتضرر وتدمير 28 مركزاً رياضياً للياقة البدنية كانت انتشرت في القطاع وحظيت باهتمام واسع من الشباب خلال السنوات الأخيرة.
هذه الجرائم الممتدة لعامين، أدت إلى تبلور موقف عالمي رسمي انعكس في انطلاق عدة حملات شعبية وحقوقية تطالب باستبعاد فوري للكيان الصهيوني من كل الفعاليات الرياضية حول العالم. وحضرت المطالبات في الكثير من الملاعب حول العالم، ورفعت الجماهير شعار «كرت أحمر لإسرائيل» والذي حظي برواج واسع عبر المنصات، وسط مطالبات لكل الاتحادات والشركات الرياضية بمقاطعة «إسرائيل».

