قول عربي شائع:
احرق ما شئت من جسدي فدموعي تطفيه …. ولكن لا تحرق قلبي فأنت فيه!!
إذا أجرينا دراسة معمقة وأحصينا عدد النكسات الغرامية حول العالم لأصابنا الذهول ونحن ننظر الى الدنيا وكأنها حديقة وردية، ترتع فيها الأحلام والزهو والصبابة بينما هي في الحقيقة بؤرة للخيانة والغدر، خاصة بين العاشقين، ومن يسعى في إيقاع الشريك الآخر في بحور من الأوهام والضلال والأذى.
قرأنا من فترة، في خبر صحفي أن ضابطين من جنوبي السودان، اختصما بسبب حب إمراه واحدة، ودارت معركة حربيّة بينهما بالرصاص والقذائف انتهت مع الأسف بمقتل الضابطين مع نصف دزينة من الجنود من حرسهما الخاص.
قصة مؤلمة ولا شك في ذلك، بيد أنها تجعلنا نطرح جملة من الأسئلة:
من هي هذه السيدة المفتنة التي غازلت ضابطين في الوقت عينه؟ ومن (تحت رأسها) سقط كل هؤلاء الجنود ضحايا الاشتباك المسلّح، هل كانت مدركة أن مبادلتها الغرام لرجلين بالوقت نفسه سوف تسبب كارثة ومقتلة جماعية؟
في كل الأحوال، كانت هذه المرأة ممثلة من الدرجة الأولى، أوهمت الضابطين المسكينين بالحب والوداد، فكانت المذبحة عندما انكشفت الازدواجية في العلاقة!
حصلت قصة مماثلة في لبنان في ستينات القرن الماضي، ولكن لم تحصل مجزرة من جرّائها.
في بلدة ساحلية تكتسحها بساتين الحمضيات، أحب الشاب (ج) صبيّة بارعة الجمال، وبادلته هي الحب والمشاعر فطار عقل(ج) وأخذ يحلم بالسعادة الزوجيّة مع حبيبته الفاتنة صاحبة الجمال الأخّاذ والعيون السود التي تكتسح القلوب وتسحب المال من الجيوب وتقعد الضيغم في وكره وتكفّر العابد من برّه ! .
كان هذا الشاب يعمل سائق سيارة أجرة على الخط الساحلي، فأخذ يضاعف مجهوده ليجمع المال المطلوب ليتزوّج.
لكن ما حصل في أحد الأيام كان له وقع الصدمة القاتلة على (ج) وكانت له تداعيات مؤسفة ، فقد استفاق ذات صباح على خبر زفاف حبيبته صاحبة العيون السود ، من أحد وجهاء البلدة الأثرياء فكان للخبر عليه وقع الصاعقة ، خصوصا عندما أدرك أن الأمر لم يحصل بالصدفة ، ففي الوقت الذي كانت الحبيبة المزيفة تبادله لواعج الغرام و تبثّه مشاعر الحب والهيام و تعده مرة بعد أخرى بالزواج ، كانت تعمل على خط آخر مع عريسها الحالي وهو من الوجهاء وأصحاب الثراء ، صحيح أن (ج) لم يكن فقيرا ولكنّه يعتبر من الطبقة المتوسطة أو أقل بقليل وهو عامل نشيط يقدم على العمل و مستقبله أمامه ، لكن الفتاة الوصولية فضّلت عليه العريس الثري وصاحب الأملاك والمتاجر الميسور الذي سيؤمّن لها حياة رفاهية و راحة موفورة !
لم يستطع (ج) أن يشفى من الصدمة الكبيرة، فأصيب بما يشبه المسّ الجنوني، فلزم بيته ولم يعد يذهب الى عمله ويعمد كل صباح عندما يغادر زوج حبيبته الى عمله، الى التوجّه الى بيت حبيبته، فيعبر من البوابة المفتوحة ويسير في بستان البرتقال والليمون الحامض، وعندما يصل الى تحت الشرفة يبدأ بترداد العبارات التالية:
كان لي خاطر فيكي
وبعد لي خاطر فيكي….
يردّدها وكأنّه تحت سطوة سحر ما إلى أن تخرج السيدة المصون إلى الشرفة وتبدأ بالصراخ:
خلص يا (ج) خلص.. رح تفضحني بالضيعة …. خلص روح الله يخليك، يلي صار صار رح يعرف زوجي ويعملّنا قصة …. أنا مرا مجوزي…. فلّ …روح ….
ّ
لكن(ج) تعنّت وبقي على سيرته تلك، يأتي كل يوم ويقف تحت شرفة البيت ويردد عباراته المحزنة وكأنّه رجل آلي من دون روح أو إدراك.
في أحد الأيام وكان الزوج الوجيه قد عرف بقضية (ج) وعرف عن قدومه اليومي الى تحت الشرفة، مكث في المنزل ولم يذهب إلى عمله كما يفعل يوميا، إذ قبع ينتظر قدوم العاشق المولّه المفجوع، وحين اقترب(ج) من الشرفة، خرج الزوج وبيده بندقية الصيد [الجفت] تجمّد (ج) في مكانه وأصيب بهلع كبير وظنّ أن أجله قد دنا، وأخذت الزوجة تصرخ وتولول ترجو زوجها ألا يطلق النار فتحصل مصيبة كبيرة.
علا صراخ السيّدة، لدرجة أن (ج) استفاق من ذهوله وأدرك الخطر الدّاني ففرّ هاربا كالأرنب، وحين وصل الزوج إلى درابزين الشرفة، سدّد وأطلق النار من بندقيّته، متعمّدا التسديد فوق رأس (ج) الهارب بارتفاع نصف متر فلم يصبه، لكن سقط الخردق الحارق على رأسه وكوته حماوته فصرخ مرعوبا، لم يصب بأكثر من ذلك بيد أنه واصل فراره ركضا حتى وصل إلى بيته.
من تلك اللحظة أقسم أنه لن يعود الى منزل حبيبته السابقة إذا كانت طلقات الجفت قد أخطأته هذه المرة وصحّته من خبله وحالة الجنون التي وقع فيها فلن تخطئ المرة الثانية.
العبرة من كل ذلك أن قلوب عديدة لا تعد ولا تحصى، حطمها الحب وتعرضت للخيانة وتعطلت أحلامها المستقبلية !!… فما أقسى القلوب الغادرة التي تسبب هكذا مصائب تشبه الكفر والإمام علي قال ذات يوم :
الغدر مكر والمكر كفر …

