رفقائي الأعزاء،
تأتينا ذكرى التأسيس كل عام لا لتكون مجرّد تاريخٍ يُستعاد، بل لتذكّرنا بأنّ البدايات لم تُبنَ على الراحة ولا على حسابات الربح، بل على الصراع، والمعاناة، والإيمان الراسخ بقدرة الفكرة على أن تشقّ طريقها وسط ظلمةٍ خانقة. حين أطلق الزعيم أنطون سعاده نداءه الأول، لم يكن يقدّم شعارًا سياسيًا، بل كان يؤسّس نهجًا في فهم الأمة والحياة والواجب.
في تلك المرحلة، تعرّض الحزب للملاحقة، والاعتقال، والتشويه، والحرمان. ولم يكن ذلك بسبب ضعفٍ فيه، بل لأنّه حمل مشروعًا يتجاوز السائد والمألوف. لقد أراد سعاده أن يقول إنّ الأمة لا تُبنى صدفة، وإنّ النهضة ليست فعلًا عابرًا، بل مسيرةٌ تتطلّب رجالًا ورفقاء يقدّمون أنفسهم للفكرة، لا الفكرة لأنفسهم.
وإذا كان التأسيس قد واجه ظلم السلطة، وتحالف الجهل، وتعصّب الطائفية، فإنّ أخطر ما واجهه كان دائمًا في الداخل: النزعات الفردية التي تريد أن تُصغِّر الفكرة على مقاس الأشخاص. ولأنّ الزعيم فهم ذلك باكرًا، بنى مؤسساتٍ لا أشخاصًا، ونهجًا لا أمزجة، ونظامًا لا عواطف.
إنّ أيّ انقسام، أو تشرذم، أو شخصنة، هو خيانة لدرس التأسيس نفسه. فالحزب الذي صمد أمام السجون والإعدامات لا يضعفه خلافٌ داخليّ إلا حين نسمح لـ«الأنا» أن تطغى على الـ «نحن». لقد قال سعاده إنّ النهضة ليست شعارًا، بل إرادة تنظيمية وأخلاقية. فكيف نستطيع أن نبني وطنًا موحّدًا إن عجزنا عن توحيد الصف داخل حركة تحمل مشروع الأمة؟
التأسيس يعلّمنا اليوم أن:
ـ الفكرة أقوى من الأشخاص،
ـ النظام أعلى من الأهواء،
ـ والعقيدة أعمق من المواقع والمناصب.
وحين ننظر إلى المسيرة منذ 1932 حتى اليوم، نرى أنّ كل الذين حاربوا الحزب ذهبوا، وبقيت الفكرة. وكل الذين راهنوا على إسقاط النهضة اندثروا، وبقي النهج. لأنّ ما بُني على الشهادة والتضحيات لا تهزّه نزعات الانشقاق، بل يمرض قليلًا ثم ينهض أقوى.
رفقائي، إنّ مسؤولية الجيل الحاضر ليست في الاحتفال بالماضي فقط، بل في صون الوحدة التي أرادها المؤسّس، وتغليب النظام على الشخص، والمؤسسة على الذات، والعقيدة على المصلحة. فبهذا وحده تستمر النهضة وتُورَّث، لا بالخطابات ولا بالتصفيق.
الخلاصة التي يعلّمنا إياها التأسيس واضحة:
إنّ وحدة النهج فوق كل اعتبار، وأنّ أبناء سعاده الحقيقيين هم الذين يرفعون الفكرة لا الأسماء، ويبنون المستقبل لا الحسابات.

