في ذكرى التأسيس، بين الذكرى والمصير وبين نهضة الأمس واستحقاق الغد

في كل عام، ومع حلول ذكرى التأسيس، يعود الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى الواجهة، لا بوصفه تنظيمًا سياسيًا فحسب، بل كفكرة ووجدان ومسار تاريخي حاول أن يعيد للأمة السورية وعيها بذاتها، وصورتها المتكاملة في التاريخ والجغرافيا والحياة. غير أن ما نشهده اليوم من واقع الحزب، ومن واقع الأمة التي لأجلها ولد، يفرض علينا إعادة النظر لا في الاحتفال بالذكرى، بل في معناها ومسؤوليتها وموقعها من مصيرنا القومي.

لم يولد الحزب ليكون ساحة يتزاحم فيها أصحاب المطامع والوجاهات، ولا ليكون ملاذًا للهاربين من مسؤولياتهم التاريخية، ولا إطارًا لتبادل الاتهامات والتنافس على مراكز شكلية. ولِد الحزب ليكون سيفًا فكريًا صلبًا في وجه التمزق، ومشروع حياة قادرً على إعادة تركيب الإنسان والمجتمع على أسس الحق والخير والحرية والنظام والقوة. لكن اليوم، صار الحزب ذاته انعكاسًا للأزمة القومية الكبرى: انقسامات وتنازع قيادات، شعارات بلا فعل، وولاءات هجينة تغلّب الأشخاص على القضية، والصورة على الفكرة، والمنبر على الدور.

إن المأساة ليست في الانقسام وحده، بل في تبرير الانقسام. في كل من جعل العقيدة أداة سلطة لا مشروع نهضة، والنظام قيدًا على الفكر لا إطارًا للعمل، والانتماء وثيقة احتفال لا التزامًا وجوديًا.

إن النهضة ليست مقعدًا يُحتل، بل قدرًا يُحمل. وأن أنطون سعاده لم يؤسس حركة للتصفيق، بل مدرسة لتكوين الإنسان الجديد.

واليوم، نقف أمام مفترق واضح:

بين من يرى في الحزب حركة حق وحرية، ومن يريده دمية لإشباع رغباته.

بين من يرى في سعاده فكرة حيّة تنهض بالأمة، ومن يحوّله إلى صورة تُعلّق وخطاب يُتلى دون أثر.

إن النهضة القومية الاجتماعية ليست مشروعًا سياسيًا فقط، بل هي نهضة أخلاقية قبل كل شيء.

سعادة لم يطلب من الإنسان أن يكون منضبطًا شكليًا، بل أن يكون إنسانًا جديدًا يحيا بالفضيلة والمسؤولية والوعي.

ان الأخلاق في الفكر القومي الاجتماعي ليست وعظًا ولا مجاملة، بل:

مبدأ يربط القول بالفعل ودور يجعل الفرد مسؤولًا عن تأثيره في مجتمع

وروح تحفظ وحدة الجماعة وتمنع سقوطها في الأنانية والتفكك ولا يمكن لأمة أن تنهض إذا تخلّت عن أخلاقها.

ولا يمكن لحزب أن يقود أمة إذا لم يكن هو أول حامل للقيم العليا: الصدق، الواجب، الانضباط، التضحية، احترام العمل، احترام الحقيقة، والالتزام بالمصلحة القومية فوق كل مصلحة فردية أو شخصية.

فالنهضة تُبنى على الإنسان أولًا، والإنسان لا يُبنى إلا على الأخلاق.

وإذ نستعيد 16 تشرين الثاني، فإننا لا نستعيد مجرد تاريخ، بل ميلاد رؤية حضارية أراد لها سعاده أن تصنع الإنسان القادر على أن يكون محور النهضة.

ان فلسفة المدرحية لم تكن مجرد مبدأ نظري، بل منهج تربية وتكوين يربط الفكر بالعمل، والوعي بالمسؤولية، والإرادة بالمسار التاريخي. لذلك قال سعاده إن أهم ما أنجزه بعد العقيدة هو المؤسسة. فالفكر بلا مؤسسة يذبل، والمؤسسة بلا روح تتحجر، أما إذا التقت العقيدة بالمؤسسة والإنسان المسؤول، تولدت النهضة الحيّة.

لكن النهضة اليوم مهددة بـ «الإثم الكنعاني».

ذلك الإثم الذي تكرر عبر التاريخ حين أهملت الأمة ذاتها، فتخلّت عن رسالتها، وسمحت للضعف أن يتسرب إلى قلبها.

والإثم الكنعاني في الحزب، هو التراخي عن حماية وحدته وفكرته، وهو السكوت عن الانقلاب المعنوي على النهضة.

إنه خيانة للفكرة قبل أن يكون خلافًا على الأشخاص. ولذلك، فإن ذكرى التأسيس ليست مناسبة للتهنئة.

إنها يوم محاسبة كبرى.

يوم إعلان أن الحزب إما أن يعود حزب العقيدة والعمل، أو لا يكون.

نحن لم نقسم لنعيش كما يعيش الآخرون.

نحن أقسمنا لنصنع حياة جديدة، قوامها الحرية والواجب والنظام والقوة، والأخلاق، والوعي، والمسؤولية.

أقسمنا لنكون ركيزة نهضة الأمة لا ظلًّا لها.

فلتكن هذه الذكرى إعلانًا للفعل لا للقول:

إعلانًا لإعادة بناء الحزب من الإنسان أولًا، من الوعي والممارسة والمسؤولية.

إعلانًا لرفض الاختزال، ورفض الضعف، ورفض الاستسلام.

ولتَحيَ سورية ولتَحيَ النهضة وليحيا الفكر الذي لا يموت ما دام في الأمة من يحمله ويحميه ويعمل به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *