لم ينشئ سعادة حزبا سياسيا بالمعنى المتعارف عليه للكلمة. بل هو اراد تحقيق تغيير اجتماعي شامل يزيل من عقل الشعب كل مازرعه المستعمر على مر عقود، بحيث يمكن له أن يستعيد مستقلاً. دوره الحضاري في التاريخ.. لقد تمرد سعادة على الواقع واعتبر القبول به خيانة للشعب والتاريخ. ولذلك اسس نهضة شاملة. تشمل التغيير في البنى الفكرية. والاحتماعية والاقتصادية والعسكرية.
في قصة هذا البطل الذي كانت حياته نهراً دافقاً من العطاء الاسطوري، والذي لم يطلب يوماً شيئا لنفسه. حتى في لحظاته الاخيرة ظل شامخاً، ما يحفزنا على. اعادة بحث مسارنا من جديد بكل مشاكله.
وخلافا لما يعتقد البعض لم تكن قضية سعاده فقط قضية شعب تحت الاحتلال، ومعاناته من التجزئه التي فرضها عليه المستعمر. بل كانت قضية امة بحاضرها ومستقبلها.
إن الوعي التاريخي عند سعاده بلغ مرحلة من التطور جعله يرتقي إلى اعلى درجات المقاومة بكل اشكالها وسماتها.
لقد خاض سعادة من خلال تأسيسه الحزب معركة اثبات الهوية القومية للأمة، ونجح في تثبيتها، مدركاً ان ذلك شرط أساسي لإزالة كل ما من شأنه أن يعوق وصول فكره إلى الناس.
لم تكن السياسة عند سعاده هدفاً مستقلاً قائماً بذاته، بل كانت وسيلة لغرض أسمى، وهي عملية تحرير الامة من عبوديتها الطويلة. لذلك هو ربط السياسة بمبدأ الالتزام بقضية الحزب والغاية التي تأسس لإجلها. واضعاً التقيد التام بقضية الحزب، شرطاً لايقبل الجدل للانضواء الحزبي.
فالعضو في الحزب منذ لحظة انتمائه، يصبح في خط المواجهة المباشرة، مع الهم القومي للامة، بحيث لا يعود يرى معنىً لحياته خارج الجهاد في سبيل تحقيق غاية الحزب، وتحقيق مبادئه.
لقد كان سعادة اول من دعا إلى وضع خطة نظامية دقيقة لمواجهة الخطر اليهودي، فهو أدرك منذ البداية أن العدو مدعوماً من الاستعمار متفوق علينا في التنظيم والتسليح، فيما نحن متفرقون في الرأي والموقف، ولذلك نحن امام امتحان تاريخي. وأمام هذه الخطوة المتقدمة من التقييم والاهتمام، والاستشراف كان الرد من قبل من قبل الاعداء اغتيال أحد رواد هذا العصر. فمع بروز الحركة القومية الاجتماعية، والتي شكّلت ابرز حركات الوعي ّ القومي في الامة السورية احست قوى الاستعمار، ومعها الحركة الصهيونية أن الحسّ القوميّ عاد من جديد إلى روح الامة السورية، وأن تأثيره أصبح واضحاً على أجزاء واسعة من الشعب، فبدأ يخرج من البلبلة إلى الوضوح واليقين.
لقد اعطى سعاده الصراع العقائدي بعداً لم يعطه أحد من قبله، لأنه يقوم على نظام فكري دقيق، هو نتاج العقل بعيداً عن التعصب والغوغائية، والمصالح السياسية الرخيصة.
وما أكثر المعارك الفكرية التي خاضها انطون سعادة على صفحات المجلات والصحف، ضد معارضي العقيدة القومية الاجتماعية، والتي اجتذب خلالها بأسلوبه الفريد الكثير من الادباء والمفكرين، إلى رحاب الفكر القومي الاجتماعي.
لقد شكل سعادة في كتاباته مدرسةللحرية وقول الحق. حتى أن الكثيرين من الذين كانوا من أشد المعاندين والمعارضين لتياره القومي، عبروا عن اعجابهم بشخصية سعاده، والتي قال فيها أحدهم: «أن على بطون الامهات العربيات ان تستريح الف سنة قبل أن تنجب انطون سعادة اخر». هذه الشخصية، والتي كان كل من يقترب منها يشعر بالاغتناء المعنوي، والشجاعة في الثورة على الجمود الفكري، والتخلف السياسي.
لقد بلغ سعادة بفكره وشخصيته الفذة حداً مكنه من اختراق كل ما من شأنه أن يعوق وصول هذا الفكر إلى ابناء امته، وفي طليعتهم جيل الشاب المثقف والمتعلم، والذي حرص على إحاطته بالرعاية والاهتمام، وتقريبه منه، وأسناده إليهم مسؤوليات مركزية هامة في الحزب ، وذلك انطلاقاً من أيمانه بقوته الفعالة في بعث روح جديدة ونشّطة داخل الجسم الحزبي. وصولاَ إلى انتشال الامة من الخمول، والسياسات الرجعية.
واليوم احساساً منا بالمسؤولية القومية، وخطورة المرحلة التي تواجهها الامة السورية نحن مدعوون إلى استكمال ما بدأه سعادة من أجل إنقاذ الامة من الوضع السياسي والثقافي المختل، وذلك من خلال وضع خطة متدرجة نتتهي بتحقيق غاية العقيدة القومية الاجتماعية ومبادئها.

