الحزب القومي وثلاثة وتسعون عاما في ساحات الصراع

في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1932، وفي بيروت، أسّس أنطون سعادة سرّاً الحزب السوري القومي الاجتماعي، من خلال مجموعة من طلابه في الجامعة الأميركية، حيث كان يُدرّس اللغة الألمانية.

انبثقت الفكرة من حاجة الأمة إلى نهضةٍ تُعيد إليها وعيها القومي ووحدتها بعد أن مزّقتها الطائفية والتجزئة والاستعمار.

لم يكن الحزب مجرّد تنظيم سياسي، بل حركة فكرية – اجتماعية – روحية، هدفت إلى خلق إنسانٍ جديدٍ مؤمنٍ بوحدة المجتمع ومصيره، وبأن «القضية القومية هي قضية الشعب كله».

انكشاف الحزب وبداية الصراع

عام 1936، اكتشفت السلطات الفرنسية أمر الحزب، فشنّت حملة اعتقالات واسعة، وحاكمت الزعيم أنطون سعادة ومعاونيه، وحكمت عليهم بالسجن.

بعدها، دخل الحزب مرحلة الصراع العلني ضد الاستعمار وضد كل أشكال التبعية والانقسام.

تابع القوميون الاجتماعيون مسيرتهم الفكرية والنضالية، رافعين راية النهضة رغم السجون والمنافي، حتى استشهاد الزعيم سعادة في تموز 1949، في أسرع محاكمة صورية عرفها التاريخ الحديث  ـ  محاكمة لم تتجاوز أربعاً وعشرين ساعة.

الحزب في ساحات النضال

منذ الأربعينات وحتى اليوم، كان الحزب حاضراً في كل ميادين الصراع القومي.

في فلسطين، شارك القوميون الاجتماعيون في المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني منذ عام 1948، واستمر حضورهم في صفوف الفصائل الوطنية دفاعاً عن الأرض والكرامة.

وفي لبنان، تصدّى الحزب للاعتداءات الإسرائيلية، وشارك بفعالية في المقاومة الوطنية ضد الاحتلال، وقدّم الشهداء من حاصبيا والجنوب والجبل وبيروت والشمال دفاعاً عن وحدة الوطن.

وفي الشام، سقط شهداء الحزب في معارك الدفاع عن الأرض والكرامة، مؤكدين أن النهضة لا تعرف حدوداً مصطنعة بين أجزاء الأمة الواحدة.

أما في فلسطين، فقد امتزج الدم القومي بدماء المقاومين دفاعاً عن القدس وعن كل ذرة من تراب الوطن المحتل.

من شمال لبنان إلى دمشق والقدس، امتدت قوافل الشهداء، لتؤكد أن الحزب السوري القومي الاجتماعي لم يكن يوماً حزب حدود، بل حزب الأمة الواحدة وقضيتها الكبرى.

القوميون في المغتربات: رسل النهضة

في المهاجر البعيدة، من الأميركيتين إلى أستراليا وكندا وأوروبا، حمل القوميون الاجتماعيون فكر سعادة كرسالة حياة.

أسسوا فروعاً ومراكز تُبقي الفكر القومي حياً في وجدان الأجيال الجديدة، وساندوا أهل الحزب في الوطن دعماً مادياً ومعنوياًـ  في التعليم، والثقافة، والعمل الاجتماعي.

لقد تحوّل المغترب القومي إلى جسرٍ بين الوطن والعالم، ينقل الصورة المشرقة لأبناء النهضة، ويُبقي شعلة سعادة متقدة رغم المسافات.

ثلاثة وتسعون عاماً من الثبات والعطاء

ثلاثة وتسعون عاماً مرّت، وما زال الحزب السوري القومي الاجتماعي ثابتاً على مبادئه:

الحرية، الواجب، النظام، القوة.

وما زال القوميون الاجتماعيون يرون في فكر سعادة بوصلة الخلاص من التشرذم، وطريقاً إلى مجتمعٍ متماسكٍ قويٍّ قادرٍ على مواجهة الأخطار المحدقة بفلسطين ولبنان وسورية وكل الأمة السورية.

في السادس عشر من تشرين الثاني، لا نحتفل بذكرى التأسيس فحسب، بل نجدد العهد والولاء للنهضة، ونؤكد أن فكر أنطون سعادة سيبقى حياً ما دامت الأمة تنبض بالحياة، وأن «سورية للسوريين والسوريون أمة واحدة».

من المغترب… عهدٌ ووفاء

نحن القوميين الاجتماعيين في المغترب، أبناء النهضة الذين حملوا فكر الزعيم أنطون سعادة في قلوبهم ووجدانهم، نُجدّد في السادس عشر من تشرين الثاني عهدنا للأمة ولرفقائنا في الوطن.

من بعيد، حيث نعيش ونكدّ ونعمل، تبقى بوصلة انتمائنا تتجه نحو أرضنا – نحو لبنان وسورية وفلسطين، حيث كل شبرٍ من ترابٍ هو ذاكرةٌ وحقّ.

نؤمن أن النهضة ليست حدوداً جغرافية، بل فعلُ إيمانٍ واستمرار.

نُساند أهلنا في الوطن بكل ما نملك، دعماً للفكر، وللصمود، وللمقاومة في وجه كل اعتداءٍ ومحاولة تفتيت.

وفي كل بيتٍ مغترب، صورةٌ للزعيم، ونسمةُ حنينٍ إلى صباح الوطن.

في ذكرى التأسيس الثالثة والتسعين، نقول كما قال سعادة:

«نحن أمّةٌ لا ترضى القبرَ مكاناً لها تحت الشمس».

وسنبقى حيث نكون، وحتى النفس الاخير رسلَ النهضة وأمناءَ القضية، حتى تعلو راية الأمة السورية واحدة، حرة، قوية خالية من كل الاحتلالات.

عصام أبو فاعور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *