فجر السادس عشر من تشرين الثاني، لم يولد حزبٌ فحسب، بل ولدت فكرةٌ تحمل في جوهرها إرادة أمة تبحث عن ذاتها وسط الظلام والتمزق. خرجت هذه الفكرة من عقل رجلٍ رأى أبعد مما يراه زمانه، أنطون سعادة، الذي أعلن التأسيس ليس كبيان سياسي عابر، بل كحجر أساس لنهضة أراد لها أن تنتشل الأمة من غفلتها، وتعيد لها حقها في الحياة والدور والكرامة.
ذلك اليوم لم يكن حدثًا تقليديًا؛ كان وعدًا بمستقبلٍ تُصان فيه الأرض حريةً، وتُحفظ فيه الهوية كرامةً، وتتجسد فيه الوحدة فعلًا لا شعارًا. لم يكن السؤال: من نحن؟ بل كان: لماذا نسينا من نحن؟ وكيف نستعيد ما فقدناه؟
الأمة تنهض حين تتذكّر أنّها لم تُخلق للانكسار، بل خُلقت لتُكمل رسالتها في التاريخ.
دوافع التأسيس: أمة تبحث عن ذاتها
وُلد الحزب في زمنٍ كان الاحتلال يرسم فيه الحدود، والانقسامات تُفتّت المجتمع، والعصبيات تُعمِي البصيرة. فجاء المشروع القومي الاجتماعي ليقول: لا نهضة بلا هوية جامعة، ولا خلاص لأمة تمزّقها الانتماءات الصغرى.
كان التأسيس فعل مقاومة معرفية وروحية؛ مقاومة للتبعية، وللاستلاب الحضاري، وللقبول بواقعٍ مُنكسر.
النهضة من الأمس إلى اليوم: وعيٌ ومواجهة التحديات
بعد عقود من النضال ومرور الأمة بمحطات صعبة من حروب وانقسامات وتدخلات خارجية، تتأكد حقيقة واحدة: النهضة ليست رفاهًا فكريًا، بل ضرورة تاريخية.
حين ننظر إلى زمن التأسيس، نجد الأمة تواجه غزوات سياسية وتقسيمات خارجية وضياع الهوية الوطنية، تمامًا كما اليوم تواجه تحديات معقدة: صراعات إقليمية، تدخلات خارجية، ضغوط اقتصادية واجتماعية، وانقسامات داخلية تهدد اللحمة الوطنية.
ومع ذلك، يبقى فكر أنطون سعادة مرشدًا: الأمة التي تعرف نفسها وتدرك قيمتها لن تُهزم، والوعي القومي هو مفتاح المقاومة وصنع المستقبل.
النهضة القومية اليوم
اليوم، تعني النهضة: إنسانًا كريمًا لا يهان شعبا يعرف نفسه وينهض بإرادته مقاومة للفقر والتبعية والفرقة، أرضا لا تُباع ولا تجزئ ،ووعيًا يجعل الأمة حاضرة في التاريخ لا متفرّجة عليه إن ذكرى التأسيس تذكّرنا أن التحديات ليست جديدة، لكن الإرادة القومية التي تأسس عليها الحزب قادرة على صهر الصعاب وبناء غدٍ أفضل.
السادس عشر من تشرين الثاني ليس ذكرى فقط، بل محطة للتأكيد:
الفكرة حيّة، القضية قائمة، والنهضة وعدٌ لا يموت.
قد نتعب، قد نواجه الصعاب، لكننا لن ننكسر؛
قد نُختبر، قد يُحاصرنا الليل، لكننا أبناء فجرٍ لا يخون ميعاده.
المجد لسورية
إبراهيم الدّن

