الصين لاعب محوري في الاقتصاد العالمي

جمهورية الصين الشعبية، ذلك البلد العملاق، العضو الدائم في مجلس الأمن، وقف في مواجهة الرسوم الجمركية الكبيرة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب (تجاوزت نسبتها 100%)، وتوجه إلى بدائل أخرى. له من الثقل الاقتصادي ما جعل الكثيرين يطلقون عليه لقب: مصنع العالم.

بين الولايات المتحدة الأميركية والصين انطلقت حرب تجارية ضروس. فالأولى تحتاج إلى المعادن التي تنتجها الصين التي استطاعت الحد من قدرة واشنطن على فرض شروطها، وعزّزت بالتالي صورتها كقوة موازية في ميزان القوى العالمي. وهذا ما تبين في اللقاء بين الرئيس ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ على هامش قمة مجموعة آسيا–الباسيفيك (أبيك) التي انعقدت في كوريا الجنوبية مؤخراً، حيث توصلا إلى هدنة مؤقتة لمدة سنة في حربهما التجارية.

البيت الأبيض الذي اعتقد أن بإمكانه لي ذراع الصين كان اتخذ قراراً بالحد من التبادل التجاري مع العديد من المؤسسات والشركات الصينية التي لجأت إلى إعادة توجيه جزء من صادراتها نحو أسواق جديدة ضمن ما يُعرف باستراتيجية «شاينا بلس ون»، في محاولة لتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية وتخفيف تأثير الرسوم الجمركية، وذلك بعد أن صعّدت الولايات المتحدة في آذار 2025 خطواتها بإدراج نحو 50 شركة صينية على ما يُعرف بـ «قائمة الكيانات»، وهو إجراء يقيّد تعامل تلك الشركات مع الشركات الأمريكية.

القرار الأميركي بالحد من التبادل التجاري بين البلدين دفع الحكومة الصينية إلى فرض رقابة مشددة على تصدير 12 نوعاً من المعادن النادرة من أصل 17 نوعاً تملكها الصين (نحو 60% من الاستخراج و93% من التكرير على النطاق العالمي). هذا الإجراء الصيني أغضب واشنطن التي تحتاج إلى هذه المواد في القطاع التكنولوجي والطاقات المتجددة والصناعة الدفاعية.

وعلى خط موازٍ، وهذه المرة على الصعيد الزراعي، تستورد الصين فول الصويا من الولايات المتحدة بكميات كبيرة. ومن شأن توقف الصين عن استيراد هذه الحبوب أن يتسبب بأزمة وجودية للمزارعين الأميركيين. وبالتالي فإن الاتفاق في كوريا الجنوبية بين الجانبين أدى إلى موافقة بكين على رفع المراقبة المشددة على تصديرها المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة طوال سنة واحدة، فيما التزمت واشنطن بتعديل التدابير المتخذة ضد المؤسسات الصينية، وخفض الرسوم الجمركية على الصين إلى النصف. وقرّرت بكين من جهتها استئناف مشتريات فول الصويا.

من هنا يمكن القول أن الصين باتت اليوم لاعباً محورياً في الاقتصاد العالمي بفضل طاقتها الصناعية الهائلة ما يفرض على أميركا اعتماد سياسة احتواء تحافظ على قدر من المرونة، ذلك أن مواجهة شاملة مع الصين من شأنها أن تضر بالاقتصاد الأميركي والعالمي على حد سواء، وتقود إلى اضطراب واسع في أسواق المال العالمية وارتفاع أسواق الذهب وتباطؤ النمو الاقتصادي.

من المفيد الإشارة إلى أن الصين هي ثالث أكبر بلد في العالم من حيث المساحة. تحدها 14 دولة وهي بذلك أكثر البلدان حدوداً مع دول أخرى. وتعدّ ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان إذ تمثل نسبة سكانها ما يقارب 18% من إجمالي سكان العالم، حسب تقديرات شعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بمنظمة الأمم المتحدة . عام 2024 بلغ عدد سكانها مليار و408 ملايين نسمة وفق ما جاء في تقرير المكتب الوطني الصيني للإحصاء.

الصين هي عضو في منظمة التجارة العالمية وأكبر قوة تجارية في العالم، حيث بلغ إجمالي قيمة تجارتها الدولية 6.3 تريليون دولار أمريكي في عام 2022. وتعتبر أكبر مصدّر في العالم وثاني أكبر مستورد للسلع. وصلت احتياطاتها من النقد الأجنبي إلى 3.128 تريليون دولار أمريكي اعتباراً من ديسمبر 2022، مما يجعل احتياطاتها هي الأكبر في العالم على الإطلاق.  يرتكز اقتصادها على عدة عوامل رئيسية، أبرزها القطاع الصناعي الضخم الذي جعلها تُعرف بـ «مصنع العالم»، ثم القطاع الزراعي الذي يضع الصين بين أكبر المنتجين الزراعيين عالمياً.

شهدت الصين تطورات اقتصادية كبيرة حين انتقلت من اقتصاد قائم على التصنيع الواحد إلى اقتصاد يقوم على الابتكار في عام 2006، بعد أن وافق مجلس النواب الوطني على زيادات كبيرة في تمويل البحوث. ففي الصين يوجد نحو 926,000 من الباحثين تسبقها فقط الولايات المتحدة بنحو 1.3 مليون باحث. وقد قامت الصين باستثمارات كبيرة في البحث العلمي، وهي تلحق بسرعة بالولايات المتحدة في الإنفاق على البحث والتطوير. أنفقت رسمياً حوالي 2.4٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على البحث والتطوير في عام 2020، بإجمالي حوالي 377.8 مليار دولار. واحتلت المرتبة الأولى عالمياً في براءات الاختراع ونماذج المنفعة والعلامات التجارية والتصاميم الصناعية وصادرات السلع الإبداعية في عام 2021.

على الصعيد التجاري تعتبر الصين أكبر قوة تجارية في العالم، إذ بلغت قيمة تجارتها الدولية 6.3 تريليون دولار أميركي عام 2022. ارتبط اسمها بوفرة التصنيع وكثافة الإنتاج، حتى أصبحت أكبر مصدّر في العالم، وثاني أكبر مستورد للسلع في عام 2023، الأمر الذي جعل الكثيرين يطلقون عليها لقب: مصنع العالم.

ولأن الابتكار والتكنولوجيا هما جزء مهم من مخططاتها الاقتصادية، تشجع الصين على الاستثمار الأجنبي المباشر، مما يساعد على نقل التكنولوجيا وتطوير الصناعات المحلية. وهي لذلك تتقدم دول العالم في مجال صادرات التكنولوجيا المتقدمة، إذ حققت 769 مليار دولار، وبحصة 22.6% من السوق العالمية التي تبلغ 3.4 تريليونات دولار، في مقابل 166 مليار دولار للولايات المتحدة. أما بشأن الناتج المحلي الإجمالي للصين، فقد وصل في عام 2024 إلى نحو 18.5 تريليون دولار، وفقا لتقديرات رسمية نشرها المكتب الوطني للإحصاء الصيني في كانون الثاني 2025.