تحولات النظام الدولي وتأثيرها على الوطن السوري

إن المنظومة السياسية العالمية تتغير بسرعة كبيرة، وإن التوترات والحروب السياسية والاقتصادية تسير نحو التوالد والتكاثر، لا نحو الانحسار والتقلص. والأمم التي ابتدعت نظامًا سياسيًا عالميًا جديدًا أسمته الأمم المتحدة، ونظّمت له شرعة دولية وافقت عليها الأمم المنتصرة في الحرب أو الأمم الاستعمارية، كانت في الواقع قد أسّست لنظام يقوم على اقتسام خيرات العالم بين الأمم الكبرى المقتدرة حربيًا واقتصاديًا.

هذا النظام العالمي الذي فُرض على الأمم الضعيفة، بدأ يتهاوى لأسباب عديدة من أبرزها وعي الأمم والشعوب لذاتها وشخصيتها وحريتها القومية والوطنية ومصالحها وبالتالي سعيها إلى الاستقلال، إلى جانب النهوض الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته أمم عديدة ، كانت تُعتبر ضعيفة أو ملحقة بقوة استعمارية أو منهزمة في الحرب. كما أنّ عدم اكتفاء الأمم المستعمِرة بالحصة التي اتفقت عليها فيما بينها عقب الحرب العالمية، وسعيها للتمدد على حساب غيرها، أدى إلى تصاعد حدة الصراع الدولي.

وظهر في هذا السياق دولة  استعمارية جديدة ،هي الولايات المتحدة الأمريكانية التي خرجت عن كل الاتفاقات الدولية القائمة بين الأمم المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وتجاوزت قواعد تقاسم الحصص وخيرات العالم، إذ سخّرت قدراتها العسكرية والاقتصادية لتحقيق هيمنتها الاستعمارية، ما جعلها في مواجهة مباشرة مع الاتحاد السوفياتي في تلك المرحلة، ما  أدى بذلك الصراع الى  هزيمته وتفككه، وألحقت العديد من الدول السابقة للاتحاد  السوفياتي بالهيمنة الأمريكانية، لتبرز الولايات المتحدة الأمريكانية دولةً استعمارية أولى وقائدة لعالم الاستعمار.

لقد كان الصراع الاستعماري في المرحلة الماضية يدور بين الولايات المتحدة الأمريكانية والأمم الاستعمارية الأخرى على أرض الأمم الضعيفة المتصارع عليها، أما اليوم فلم يعد الصراع مقتصرًا على الأمم الضعيفة، بل أصبح صراعًا مباشرًا بين الأمم الاستعمارية نفسها وعلى حدودها.

حرب جديدة بأدوات مختلفة

هذا هو المشهد العالمي اليوم، مشهد حرب جديدة تتداخل فيها التكنولوجيا، والحروب السيبرانية، والحصار الاقتصادي، والعقوبات، وفرض الرسوم الجمركية،  وبث الفتن، ومنع استخراج الطاقات الطبيعية، وإن استُخرجت يُمنع تصديرها. وأعتقد أنه لولا السلاح النووي والخوف من التدمير الكامل للحياة على كوكب الأرض لكانت الحرب العالمية الثالثة قد وقعت منذ سنوات.

وإلى متى ستبقى هذه الحرب دون الانفجار المدمّر الكبير لا أحد يعلم، لكن الأمم القادرة على الحرب تسير نحوه بسرعة عالية، لأن العقائد المتوحشة التي ترفع شعار “السلام بالقوة” (أي إخضاع واستسلام الأمم الأخرى) قد غزت عقول السياسيين في الأمم المستعمِرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكانية.

الوطن السوري في قلب الصراع

أمام هذا المشهد العالمي، يبرز السؤال: ما مصير الوطن السوري والأمة السورية؟

هذه الأمة مفككة إلى دول اصطناعية، وهذه الدول ممزقة إثنيات وأديانًا ومذاهب، وموزعة ولاءاتها بين دول دولية وإقليمية متعددة، في وقتٍ تسعى فيه الدول الاستعمارية إلى ابتلاع الأمة وسرقة خيراتها، بالتوازي مع تمددٍ يهودي واستيلاءٍ على أراضٍ جديدة من الوطن السوري، وتمدد الاحتلال التركي في الوطن السوري وهيمنته على قرار فئاتٍ عديدةٍ من الشعب، مما يؤدي إلى استسلام الكثيرين للاحتلال التركي تحت مظلة “الإخاء الديني”.

ويترافق هذا الواقع الفاقد للهوية القومية مع مشاريع عديدة لتشكيل دول وأشكال جديدة للسلطات في الوطن السوري تدرسها الدول الكبرى والعدو اليهودي. وقد بدأ أصحاب هذه المشاريع بجس النبض حول إمكانية قيامها.

وعلى سبيل المثال، تُطرح مشاريع لدولة مسيحية في لبنان أو فيدرالية، ودولة علوية، ودولة درزية، ودولة سنية، ودولة كردية في الشام. وفي العراق تُطرح مشاريع لدولة كردية، ودولة سنية، ودولة شيعية، وفي الأردن دولة فلسطينية بعد ترحيل فلسطينيي الضفة إليها، ودولة أردنية. كل ذلك يتيح للعدو اليهودي أن يكون القوة القادرة والقاهرة لهذه الدول الهجينة، تمهيدًا لقضمها مستقبلًا، أو دفع الحكومات السورية الحالية لتوقيع اتفاقية استسلام مع العدو اليهودي بشروط مذلة.

هذا ما يريده العدو اليهودي والمستعمر الأمريكاني وحلفاؤهما   لبلادنا، ويعمل العدو اليهودي والمستعمرون على تنفيذ ما هم القادرون على تنفيذه بكل الوسائل.

مشاريع أميركانية ومخططات استعمارية ويهودية

وما يُشاع من دراسات أكاديمية واستراتيجية بأنّ الولايات المتحدة الأمريكانية تدرس قيام دولة سورية موحدة تضم العراق والشام ويُضاف إليهما لبنان والأردن، وتكون هذه الدولة ديمقراطية ومتوافقة مع المشروع الأمريكاني لتسهيل الاستقرار في المنطقة، لأن الكيانات التي أُنشئت في النصف الأول من القرن الماضي قد فشلت وأدت إلى عدم الاستقرار، كل هذه الدراسات والتحاليل لا تمتّ إلى واقع السياسة الأمريكانية بصلة، ولا تعبّر عن حقيقة الأطماع اليهودية في بلادنا.

الحقيقة بيّنت للشعب السوري أن العدو اليهودي والدول الاستعمارية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكانية، يمنعون بالحديد والنار أي تقارب بين أبناء الشعب السوري، ولم يكتفوا بالمنع، بل أسسوا ودعموا الفتن التي مزّقت الشعب السوري. وإذا كان من تشكيل سياسي لجغرافية بلادنا، فهو يهدف إلى اقتسامها بين ثلاث جهات:

العدو اليهودي يقضم أراضٍ جديدة من لبنان والشام والأردن. والتركي يقضم أراضٍ جديدة حتى من لبنان والعراق. والولايات المتحدة الأمريكانية تضع يدها على العراق وجزء من الشام.

هذه هي الخيارات الحقيقية للولايات المتحدة الأمريكانية والعدو اليهودي، وهذا ما يدور اليوم على ساحة الوطن السوري، بينما تتسابق حكومات الوطن السوري على نيل رضى الولايات المتحدة الأمريكانية والعدو اليهودي، وتناصرها فئة قليلة ضالة من الشعب، مستندة إلى الآلة العسكرية اليهودية والأمريكانية.

الطريق إلى الإنقاذ

لمواجهة هذا العدو اليهودي والمشاريع الغربية، يتوجب على أبناء الأمة السورية عدم الانجرار وراء دعوات هذه المشاريع، والالتفاف حول المقاومة الشعبية. والبداية تكون بالمقاومة والممانعة، فالهدف أولًا ألا يكون لهذه المشاريع استقرار في الوطن السوري، وثانيًا أن يتمسك الشعب السوري بوحدته وبقضيته القومية، وثالثًا أن يسير بالمبادئ السورية القومية الاجتماعية، فهي وحدها الكفيلة بنهضة الأمة السورية وإنقاذ سورية من هذا الضعف والانحلال.