ليس من المبالغة القول إن رواية «فرانك شتاين» لماري شيلي هي أكثر أعمال الخيال العلمي تأثيرًا في الثقافة الناطقة بالإنجليزية، بل إن كثيرين ينسبون إليها اختراع هذا النوع الأدبي نفسه.
هي أسطورة معروفة في جميع أنحاء العالم، والعالِم شبه المجنون ومخلوقه البشع ومن ركائز الثقافة الشعبية الغربية. وقد أطلق المخرج الشهير غييرمو ديل تورو قبل أيام قليلة نسخته الخاصة من الرواية.
ومع ذلك، فإن عددًا قليلًا من الناس يعرف فعلاً عمَّ تدور الرواية الأصلية. فبينما تُطبع في أذهاننا صورة الوحش ذي الرقبة المثقوبة والمكوَّن من أجزاء بشرية مختلفة – وهي صورة غير دقيقة – فقد نُسيت المعاني الحقيقية لقصة الوحش وخالقه، ومعها الدروس التي أرادت شيلي إيصالها.
تحمل الرواية عنوانها الكامل: «فرانكنشتاين؛ أو بروميثيوس الحديث»، وهي حكاية عن الخَلق، والتدمير، والرفض، والانتقام. تدور القصة حول العالِم العبقري المنعزل فيكتور فرانكنشتاين الذي يسعى إلى تحقيق المستحيل: خلق الإنسان الكامل، ومن ثم إحياؤه. لكنه، وبعد أن ينجح في ذلك، يدرك فداحة ما اقترفه، فينبذ مخلوقه الجديد. يهرب الوحش المكلوم بالقهر والعذاب والتشويه، لكنّه يُرفض في كل مكان بسبب مظهره الشنيع. وفي النهاية، يعود إلى خالقه مطالبًا إمّا بصفقة تنقذه، أو بانتقام قاسٍ.
تتناول الرواية العديد من الموضوعات، لكن أهمها بلا شك هو التلاعب بالحياة. تطرح الرواية سؤالاً جوهريًا: هل للإنسان الحق في أن يتولى بنفسه عملية الخلق ومنح الحياة؟ وماذا تكون عواقب ذلك إن فعل؟
هذه الأسئلة لا تزال في غاية الأهمية اليوم، خصوصًا مع التطورات الحديثة في تقنيات التلقيح الصناعي والولادة الاصطناعية. وعلى سبيل المثال ثمّة شركة تُدعى Manhattan Project، وهي – كما تشرح مؤسِّستها ورائدة التكنولوجيا الحيوية كاثي تاي – تسعى إلى تعديل جينات الأجنّة البشرية بشكل اصطناعي، أي إلى تصميم الإنسان الكامل. تقول تاي: «نريد أن نكون الشركة التي تفعل ذلك في العلن وبشفافية وبنوايا حسنة»، تلك النوايا التي عادةً ما تكون الطريق إلى الجحيم مفروشة بها. وعن الاسم تقول إنها وزملاءها «يعتقدون أن حجم مهمتهم،»، متمثلة في إنهاء الأمراض الوراثية، لا يقل أهمية عن العلم الذي كان وراء مشروع مانهاتن الأصلي». وتضيف: «تركيزنا ينصب على الوقاية من الأمراض، ونحن نضع حدًّا عند هذا المستوى فقط».
اللافت أن شريكة تاي في تأسيس الشركة نفسها كانت أيضًا مسؤولة عن قسم العلوم الحيوية في شركة Colossal Biosciences، التي تصدّرت غلاف مجلة Time قبل أشهر بعد إعلانها أنها نجحت في إحياء نوع منقرض من الذئاب يُعرف باسم الذئب الرهيب (dire wolf). وقد تمكنت الشركة من «إلغاء انقراض» الذئب الرهيب بتحليل شفرته الجينية من بقايا متحجرة، ثم تعديل الجينوم الخاص بالذئب الرمادي الحي ليطابق الجينوم القديم، وبعدها زرعت النواة المعدّلة في بويضات ذئاب رمادية أزيلت نواتها، وتم حضنها داخل كلاب بديلة. ولا تتوقف طموحات الشركة هنا، إذ تعمل الآن على إحياء طائر الدودو، ونمر تسمانيا، بل وحتى الماموث الصوفي.
قد تبدو هذه إنجازات مدهشة في مجال التكنولوجيا الحديثة – وهي كذلك – لكنها أيضًا بالضبط ما كانت شيلي تحذر منه.
إن فكرة تعديل الجينوم البشري بشكل مباشر هي تجربة «فرانكنشتاينية» بامتياز. فحتى لو كانت النتيجة طفلًا جميلًا أو مثاليًا، يبقى هناك شيء مزعج في جوهره وهو حتما العبث بجوهر الإنسان. والسؤال الملحّ: أين سيتوقف هذا المسار؟ حتى لو صدقّنا أن هدف الشركة هو الوقاية من الأمراض فقط، فإننا نعلم يقينًا أن شركات أخرى ستتبنى التقنية لاحقًا لأغراض أبعد بكثير من ذلك.
وربما تتطلب هذه العملية تدمير مئات الأجنّة البشرية المخصّبة أو «أشخاصًا أحياء». فإذا كان الباحثون مستعدين لعبور هذا الخط الأخلاقي، فإلى أي مدى سيمضون؟ وماذا لو وُلد «الإنسان الكامل» الذي صمّموه بعيب لم يتوقعوه؟ ليس من الصعب تخيّل أن يتم التخلّص من «التجارب الفاشلة» كما يُتخلّص من النفايات الطبية – جنبًا إلى جنب مع إخوانهم الأجنّة الذين لم يروا النور قط. من المحتمل جدًا أن كلمات مخلوق فرانكنشتاين لن تعني لهم شيئًا: «إن الحياة، رغم أنها قد تكون تراكمًا من الألم، عزيزة عليّ».
وماذا سيحدث عندما تُؤخذ هذه الممارسات إلى أقصى حدودها؟ أين سيكون الخط الفاصل بين الإنسان وغير الإنسان إذا أُعيد تصميم جزء كبير من الجنين البشري؟ ربما يكون اسم «مشروع مانهاتن» – وهو الاسم الذي أُطلق على البرنامج الأمريكي الذي أنتج القنبلة الذرية وجلب الموت والدمار للعالم!
تنطبق حكمة شيلي أيضًا على حالة شركة Colossal. فكما يحذّرنا فرانكنشتاين: بعض الأشياء يجب أن تبقى ميتة. ما الفائدة من إعادة نوع من الذئاب انقرض منذ آلاف السنين؟ لقد قدّمت لنا الطبيعة أمثلة كافية على الكوارث الناتجة عن إدخال أنواع غريبة إلى أنظمة بيئية غير مناسبة – مثل الأرانب الأوروبية التي سببت دمارًا واسعًا في أستراليا. فكيف سيكون الحال إذا تم إطلاق نوعٍ جديد من الذئاب الضارية، أكبر حجمًا وأكثر شراسة من أي ذئب موجود حاليًا؟ إنها وصفة لكارثة مؤكدة. قد تزعم الشركة أن ذلك سيساعد على «توازن النظام البيئي»، لكن ماذا لو قُتِل طفل صغير في قرية جبلية على يد قطيع من هذه الذئاب؟ هل ينبغي محاسبة «الخالق» كما حوسب الدكتور فرانكنشتاين؟ في لبنان لسنا بحاجة الى هذه الذئاب فالذئاب البشرية في كلّ مكان، ناهيك عن كلاب ال Pitbull المتوحّشة والتي قام أحدها بقضم خصية ولد في إحدى القرى منذ أيام!
أما اليوم، فقد فُهِم معنى كلمة «وحش» (monster) فهمًا خاطئًا. فالكثيرون يظنون أن معناها ببساطة «مخلوق قبيح»، لكن معناها الأصلي يشير إلى كيان مركَّب من أجزاء متنافرة – وليس بالضرورة قبيحًا. ومن يقرأ الرواية يعلم أن خطأ فيكتور فرانكنشتاين لم يكن في جعله مخلوقًا قبيحًا. على العكس، تصفه الرواية بأنه كان كامل البنية، طويل القامة، قوي العضلات، وله شعر أسود انسيابي. كان هدف فيكتور أن يخلق «الإنسان الكامل». فلماذا وُصف إذن بأنه بشع؟
كانت تقصد أن البشاعة ليست في الشكل، بل في الوجود ذاته. فمجرد أن يُخلق كائن بطريقة غير مقدسة، عبر جمع أجزاء بشرية وإحيائها بالصدمات الكهربائية، هو ما يجعله شريرًا يتحدّى قوانين الطبيعة.
ففي العقيدة المسيحية، كما جاء في قانون نيقية، يُقال عن ابن الله إنه «مولود غير مخلوق»، لأن ما يولده الله هو الله، أما ما يخلقه فليس كذلك. وبالمثل، ما يصنعه الإنسان لا يمكن أن يكون «إنسانًا» بحق. فمهما كان المخلوق طيبًا أو جميلًا، فإن وجوده يظل مناقضًا لقوانين الحياة التي وهبها الله.
من المؤسف أن الصورة الشائعة اليوم لفرانكن شتاين تقتصر على الوحش الأخضر ذو الرأس المسطحة والعالم المجنون بمعطفه الأبيض. أما القصّة الأصلية فهي أعمق بكثير من ذلك. فرواية ماري شيلي تُعدّ من أعمدة الأدب الإنجليزي، ليس فقط لجمال أسلوبها الثوري في زمنها، بل لأن الأسئلة الأخلاقية التي تطرحها لا تزال حية إلى اليوم. إنها تحذير من التجارب ومن الدمار الذي قد ينجم عن غرور الإنسان.
وحين كتبت شيلي عملها العظيم، كان الموضوع لا يزال في عالم الخيال العلمي. أما اليوم، فقد أصبحت مفاهيمها واقعًا علميًا ملموسًا.
أما فرانكنشتاين العربي فلا يقل رعبا عن فرانكنشتاين الإتكليزي فرواية فرانكنشتاين في بغداد هي عمل أدبي للكاتب العراقي أحمد سعداوي، نشرت في عام 2013 عن منشورات الجمل في بيروت. تدور أحداث الرواية حول بطلها هادي العتاك، بائع عاديات في أحد أحياء بغداد، الذي يقوم بجمع بقايا جثث ضحايا التفجيرات الإرهابية خلال شتاء 2005، ويقرر لصق هذه الأجزاء لإنتاج كائن بشري جديد، يخلق هادي العتاك كائنًا بشريًا غريبًا من بقايا الجثث، وسرعان ما ينهض هذا الكائن ليقوم بعملية ثأر وانتقام واسعة من المجرمين الذين قتلوا [أجزاءه] وكأنه ينتقم لكل الضحايا الذين سقطوا.. تتداخل مصائر الشخصيات خلال المطاردة المثيرة في بغداد وأحيائها، ولكنها في النهاية تخضع لدوّامة عبثية الحرب!
تُعدّ الرواية من أدب الواقعية السحريّة، بحيث تتناول الأحداث والظواهر الاجتماعية والسياسية بطريقة غرائبية تخيلية. وتُعد عملًا أدبيًا مميزًا يتناول الواقع العراقي بعد غزو العراق عام 2003 وقد استخدم الكاتب أحمد سعداوي أسلوبًا سرديًا فريدًا، حيث جمع بين الواقع والخيال، ليخلق صورة قوية ومؤثرة للواقع العراقي في ظل الحرب التي افترست شعبه.
بين ماري شيلي و أحمد سعداوي خيوط عديدة وفكرة جامعة ، والأصعب من كلّ ذلك هو تكدّس الجثث والموت المجاني الذي يحكم العالم ، حكّام العالم يرتدون الأطقم الفاخرة المصنوعة تحديدا من صوف الخواريف الاسكتلندّية و ربطات العنق الفاخرة من متاجر لاغرفيلد و تومي هيل فيغر ورالف لورين في متاجر غاليري لافاييت وماي فير والجادة الخامسة و يتحكمون بغزو البلدان وقصف البلدان و المدن الآهلة بالسكّان بلا شفقة ولا رحمة !….

