السياسيون التجار، ومعظم وسائل الإعلام الوازنة، وجملةٌ من الأحزاب الانعزالية، ينساقون بلا إرادة خلف المطلب الأمريكاني واليهودي الذي عبّر عنه الرئيس الأمريكاني ومبعوثه توم براك، والمتمثّل ببدء مفاوضات مباشرة مع العدو اليهودي على أساس الاتفاقات التي أبرمتها مصر أو الأردن أو السلطة الفلسطينية. وقد انقسم الشعب السوري إلى أقسامٍ متعددة: ففي فلسطين تبيّن أن السلطة بقيادة محمود عباس موافقةٌ أصلاً وموقّعةٌ على صكّ الاستسلام، بينما ترفض الفصائل المقاومة هذا الاستسلام وتواصل مقاومتها لمنع تصفية القضية الفلسطينية.
وفي لبنان أيضًا ثمة انقسام في الأحزاب والمؤسسات الأهلية ووسائل الإعلام بشأن هذا الموضوع. فجزء من أعضاء الحكومة والأحزاب الانعزالية يؤيّدون الدخول في مفاوضات مباشرة مع العدو اليهودي بوجود وزراء، وهو ما يعني تفاوض حكومة العدو مباشرةً مع حكومة لبنان. وهناك من في حكومة لبنان يتبنّى هذا الموقف مدفوعًا بتشجيع من دول عربية استسلامية موقّعةٍ على الاتفاقية الإبراهيمية. في المقابل، يقف رئيس مجلس النواب وبعض القوى السياسية والأهلية الوطنية موقفًا رافضًا تمامًا لأي مفاوضات سياسية أو مشاركة مدنية أو سياسية، ويصرّون على أن تكون المفاوضات غير مباشرة عبر الوفد العسكري، وتكون مهمة المفاوض محصورةً في تثبيت الحدود المرسومة منذ عهد الانتداب الفرنسي.
إلى جانب هذه الآراء، هناك رأي سيادي حر منبثق من المبادئ القومية السورية الاجتماعية، الذي يرفض أي نوعٍ من المفاوضات سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، لأن فلسطين أرض سورية ويقرر مصيرها الشعب السوري وحده، لا الاستعمار الأمريكاني ولا الإرادة التركية أو المصرية أو القطرية. لأننا نؤمن بالحقيقة الواضحة التي تؤكد أن العدو اليهودي محتلٌ لأرض فلسطين ولا شرعية له فيها، ولا يحقّ لأي شرعية دولية أن تقرّر مصير أي جزء من الوطن السوري، خاصة وأن كثيرًا من الدول التي تدّعي الشرعية الدولية شريكةٌ في احتلال فلسطين وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكانية.
أمّا السلطة في الشام، ومنذ سيطرتها على الإدارة السياسية، فقد صرّحت هذه السلطة بأنها لا تعتبر العدو اليهودي عدواً، وأنها مستعدّة لتوقيع معاهدة استسلام على قاعدة حدود سنة 1973. إلا أن غالبية الشعب في الكيان الشامي يرفض هذا الموقف. والرأي المنبثق من مبادئ القومية الاجتماعية يعتبر أن ما تسعى إليه السلطة بالشام هو استسلام ذليل لا يعبر إلّا عن هذه الطغمة الحاكمة التي تبيع الوطن لغايات خصوصية. وعليه، يكون موقف القومية الاجتماعية واحدًا بالنسبة لما يتداول من آراء حول المفاوضات في الشام وفلسطين ولبنان، وهو: رفضٌ قاطعٌ لأي اتصال يعطي شرعيةً للكيان الغاصب اليهودي، أو التنازل على ذرة تراب من الوطن السوري، ورفضٌ لمسّ أي مصلحة من مصالح الشعب السوري. وعلى قاعدة رأي سعاده: «إن اتصالنا باليهود هو اتصال الحديد بالحديد والنار بالنار».
أول واجبات الحكومات، باعتبارها ممثِّلةً لمؤسسة الدولة، هو الحفاظ على السيادة وحماية الحدود وحماية المواطنين. والحكومات الراهنة عاجزةٌ عجزًا واضحًا؛ فالمراقب يلاحظ أن سياسات الحكومات في الدول السورية تتماشى مع مشاريع الحكومة الأمريكانية والمشروع اليهودي في المنطقة. وهذه الفضيحة المذلّة تقتضي من الحكّام الاعتراف بفشلهم في حماية الوطن والشعب، ومن ثم الاستقالة.
وحيث إن البراهين تؤكّد عجزَ الحكومات عن أداء دورها، يصبح من واجب الشعب أن يتصدّى لاستعادة السيادة والكرامة. فإذا امتنع الحكّام عن الاستقالة، فتصير على الشعب مسؤولية إسقاط تلك الحكومات. الواقع الحالي في الكيانات السورية جعل المواطنَ يعيش في موقفٍ مزدوج: مستهدفًا من العدو الخارجي ومن الحكّام الطغاة في الداخل. وبات المواطن السوري في تلك الكيانات مكشوفًا أمام العدو بمساعدة السياسيين الحاكمين الذين يمارسون السلطة تنفيذًا للإرادة الأجنبية.
أمام هذا الواقع المرير والتفكّك في الدول السورية، وأمام قضم العدو لوطننا جزءًا بعد جزءٍ، يتّضح أن الأمة السورية أمةٌ واحدة وقضيةٌ واحدة. فالعدو يستهدف الوطن كلّه لا أجزاءً منه فقط. وعليه يتوجب على الشعب السوري أن يتّحد نصرةً لقضيته؛ فالوطنيون في لبنان والشام وفلسطين والأردن والعراق عليهم تشكيل هيئة سياسية واحدة، وهيئة عسكرية واحدة، وهيئة اقتصادية واحدة،
. ليكونوا قوةً قادرةً على تقرير مصير الأمة والدفاع عن حقوقها.
ان مبادئ الزعيم سعاده جاهزةٌ وقادرةٌ على النهوض بالشعب السوري كأمّةٍ واحدة ومجتمعٍ واحد وقضيةٍ ومصلحةٍ واحدة فوق كلّ المصالح الجزئية. وإلا فستبقى هذه الكيانات ضعيفةً بلا قيمة، ويسود فيها الانحلال والاحتلال والتبعية الذليلة. وشاهدنا ما اعده ويعد اليهودي والأمريكاني لغزة والضفة وجنوب لبنان وجنوب الشام وما ينطبق على هذه الكيانات ينطبق أيضًا على العراق والأردن.

