هل يوجد شك أن المندوب السامي الفرنسي الجنرال غورو هو من أعلن قيام دولة لبنان الكبير؟
ما كان اللبنانيون هم من أعلنوا قيام دولة لبنان، وربما يتشدق قائل بأن اللبنانيين آنذاك لم يكن لهم حول ولا قوة ولهذا لم يعلنوا قيام دولتهم، ولهذا أيضاً تأكدنا من مصلحة فرنسا بإعلان قيام الدولة اللبنانية لتنفيذ اتفاقية سايكس بيكو.
يقول الباحث بدر الحاج في مجلة صباح الخير 3 أبريل 2025 :
«الحدود المرسومة في بلادنا هي حدود وضعها الغرب، حسب دراسات أنطون سعاده فهذه البلاد بلادٌ واحدة، هنا تكمن الإشكالية أن الغرب ثبت مفهومه حتى هذه اللحظة، فالكل الأن يتكلم عن المشرقية، ما هي المشرقية؟ فتاريخياً من أيام بطليموس حتى الأن اسمها سورية، هذه البلاد واحدة. أنا قناعاتي – كما قال – مثلا عندما يذهب مقاتل من جنوب لبنان ليقاتل في الشام فهذا الشيء عظيم جداً بغض النظر عن أراء البعض بما يسمى الثورة السورية، لأنه لأول مرة هذه الحدود الذي صنعها غورو تكسر».
كانت كل الشعوب الخاضعة لنير الاحتلال العثماني تتوق إلى الحرية بعد قرون من الاحتلال ونهب الثروات والتنكيل بها، وإذ بهذه الشعوب ترى نفسها وقد وقعت مرة أخرى تحت الاحتلال الفرنسي أو البريطاني بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بمسميات جديدة تحت اسم الانتداب.، في لبنان، نجد هذه الطبقة متمثلة في عائلات كانت يد السلطة العثمانية أيام الاحتلال ولعبت نفس الدور مع المحتل الفرنسي لم تكن الوطنية هي الصفة التي تمتعت بها هذه العائلات، بل الطائفية، فكيف لا وقد كان أساس نشوء دولة لبنان وتوزيع الحكم على أساس طائفي؟
أما المفكرين، والباحثين والتواقين إلى استقلال فعلي، فقد انتهجوا نهجا وطنيا يقوم على معاداة الاستعمار، وحتى محاربته وقتاله.
الدكتور خليل سعادة كمثل، كان مغضوب عليه أولاً لأنه والد أنطون سعاده، وثانياً وهو السبب الأساسي: خلافه مع معظم المفكرين في المهجر حول طبيعة العلاقة بين فرنسا وسورية. انتقل من مصر إلى الأرجنتين أنتج في مصر أهم قاموس عربي اسمه قاموس سعاده، كتب له المقدمة ديفيد مارغوليوس استاذ «اللنجويستكس» في جامعة «أكسفورد» أما أنطون خليل سعادة فقد كان معروفاً بنبضه المقاوم، فقد كتب بعد محاولة اغتيال الجنرال غورو في منطقة حوران: لو كان هناك عدة محاولات للقضاء على بلفور كنا قد استرحنا. وكتب أيضاً أنطون سعادة عن الحركة الصهيونية في العام 1923 وخطورتها، كما كتب أيضاً عن اميركا وسقوطها من عالم الإنسانية الأدبي قبل بزوغ شمسها الاستعمارية.
حين انشأ أنطون سعادة حزبه في العام 1932 بقي، هذا الحزب سريا ينتشر بين الناس حتى العام 1935، حين انكشف أمره، ولأن في تنظيم الحزب السوري القومي يوجد أعداد من مختلف الطوائف، ولأنه لم يعرف القوميين بالطوائف أو المذاهب رفقائهم ولأنهم لا يتكلمون ولا يسألون عنها، فقد استطاع أنطون سعاده أن يكون جامعا لكافة الطوائف في حزب واحد، ولذلك كان يشكل خطرا على موضوع الانتداب، وحوكم بمحكمة قضاتها فرنسيين على ارض بلاده، تحت نظر أبناء العائلات المتعاملة مع الفرنسيين دون أن يرف لهم جفن، فما كان من الإدارة الفرنسية إلا العمل على إنشاء أحزاب تقوم على العصبية الطائفية لكي تواجه الحزب السوري القومي الاجتماعي، فأنشئت أحزاب النجادة الذي رأسه عدنان الحكيم وحزب الكتائب الذي رأسه بيار الجميل (الجد) عام 1936 وأيضاً حزب القمصان الحديدية الذي رأسه يوسف عوض و أيضاً كان تنظيم مسيحي .
الجميع يعرف أيضاً دعم فرنسا للطوائف المسيحية إبان حرب عام 1860، حيث عملت على تزكية الشعور الطائفي وتحويله إلى شعور قومي لأبناء الطائفة المارونية.
أما العائلات التي خدمت الاستعمار العثماني والفرنسي والتي قامت ببيع أراض لليهود فيقول الباحث بدر الحاج: «في قصة بيع الأراضي،» هنالك بعض الأسر الرأسمالية اللبنانية والسورية باعوا أراضيهم في فلسطين، آل سرسق، آل تيان، آل تويني، أبناء عبد القادر الجزائري، أحمد الأسعد، خالد شهاب الذي كان رئيس وزراء في لبنان، آل سلام، وتحديدا سليم سلام جد رئيس الحكومة اللبنانية حاليا. شيخ قرية الخالصة ومذكور في مذكرات يوسف نعمان الذي كان يتولى عمليات الشراء عند روتشيلد، ورد اسم هذا السمسار في 100 مرجع، هذا الشيخ إنتقل على لبنان واخذ الجنسية اللبنانية ومن أعطاه هذه الجنسية صديقه رياض الصلح عاش بين بيروت والزهراني، في 1948 دخلت دورية سورية وقتلته واشتعلت بين لبنان وسورية بسبب السيادة، ثم صالحتهم السعودية.(بدر الحاج).
ومن ضمن هذه العائلات أيضاً آل الجميّل، فكما سبق وذكرنا قامت فرنسا بالحض على إنشاء حزب الكتائب عام 1936 برئاسة بيار الجميّل (الجد)، ولعل تكريس الأعراف بدلا من الدستور لميزة رئاسة الدولة اللبنانية للطائفة المارونية ولصلاحيات رئاسة الجمهورية الواسعة، كانت السبب الأساسي لحربين أهليتين في القرن المنصرم، حتى جاءت اتفاقية الطائف لتنتزع الكثير من صلاحيات رئاسة الجمهورية.
أما ما نشهده في السياسة اللبنانية اليوم – وبعد الحرب الإسرائيلية على غزة، وتسليم سوريا إلى احدى الفصائل التي كانت مصنفة كمنظمة إرهابية، وبعد قلب نظام الحكم في العراق في العام 2003 ومحاولة الإطاحة بالنظام الإيراني بعد حرب الاثني عشر يرما الإسرائيلية الإيرانية – فهو محاولة فرض شروط المنتصر على الشعب اللبناني، فالانعزالية اللبنانية التي تحدث عنها أنطون سعادة والمتمثلة بحزبي القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية، والتي ترى مصلحة لبنان في تحييده عن صراعات المنطقة (متوهمة أو متماهية) مع الأطماع الاستعمارية بثروات لبنان، وأطماع إسرائيل التوسعية وبمصادر المياه اللبنانية، أصبحت تدعو علنا إلى تطبيع مع الكيان الإسرائيلي، على لسان نوابهم في البرلمان اللبناني، مستعينة بدعم خليجي، وبأموال خليجية مرهونة بالقرار الاستعماري المتمثل بالمصالح والرغبات الأميركية متناسية آلاف الشهداء الذين ارتقوا في جنوب لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي منذ ما قبل العام 1948 لغاية تاريخه هذا، ومتناسية الصراع من اجل إحقاق الحق في عودة أراض لبنانية احتلتها إسرائيل إلى الكنف اللبناني من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا إلى النقاط الخمس المعلنة وقرى جنوب الليطاني الغير معلن احتلالها، واضعة نصب عينها الأرقام الانتخابية المزمع الحصول عليها في الانتخابات النيابية لتغيير شكل البرلمان اللبناني الجديد بغية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي في حال حصولهم على أغلبية برلمانية، وبغية الجلوس على كرسي رئاسة الجمهورية لاحقا كما حدث أبان حكم أمين الجميل وتوقيع اتفاقية 17 أيار .

