الأول من آذار هو العلامةُ الفارقة والحدث الأبهى في تاريخنا الحديث وفي مسيرة الفكر الإنساني..
هو يومٌ جميلٌ، مشعٌ بنضارة الحياة وانطلاقها.. وهو إطلالة الربيع المتألق بالخصب وجمال الطبيعة وألوانها البراقة.. هو يومٌ وُلِدَ فيه طفلٌ في عينيه ضوء فاق النجم وهجاً.. ومع السنين تحوَّلَ هذا الضوء إلى أنوارٍ هاديةٍ ساطعةٍ تشِّعُ حباً وآمالاً وحقاً وخيراً وجمالاً.. وأمسى هذا اليومُ عيداً للأمل والأحلام.. للفرحِ والوئام.. للحب والوفاءِ.
إنه عيدُ الولادة.. ولادة النبوغ في ابن الأول من آذار، ابن ضهور الشوير: أنطون خليل سعاده الذي اختارته إرادة الأمة لينطق بلسانِها وليعبِّرَ عن مكنوناتِ أفكارها وطموحاتها وليقودَ نهضتها الجديدة وليسيرَ بها على طريق الجهاد والبطولة صعوداً إلى الرقي والمجد..
إنه عيدُ الفرح القومي.. فرح الأمة بهبة الحياة.. بولادة العبقرية في فتى الربيع، في شخصيته “المركّبة”، الغنية “غنى كبيراً بالعوامل النفسية” والتي “يحتاج درسها إلى مجلدات.”(1)
إنه عيدُ الفرح العظيم.. فرح الأمة بموهبة الله لها.. بولادة التفوق والإبداع في شخصية هذا الرجل “الغريبة العجيبة”(2).. هذه الشخصية الحقيقية، المتميزة بإدراكها العالٍ وعاطفتها الصادقة، بهمتها وحيويتها، بإرادتها القوية وعزمها الأكيد، بيقينها وصراحتها ووضوح أفكارها، بصبرها وإيمانها وثقتها بنفسها، بقوة شعورها ورقة إحساسها.. شخصية “لا يمكن تقليدها أو الخلط بينها وبين غيرها ولا يمكن استبدال غيرها بها.”(3)
الأول من آذار هو عيدُ ولادة أمة برجل – رجل الفكر النهضوي والإصلاح الفعلي – عيدُ الزعيم بطلته المضيئة – هذه الشخصية الصريحة، المُحِّبة، التي ترى في عينيها بريق الصدق والأمل والرجاء وتقرأُ على جبينها حروف العز والشموخ والعنفوان- هذه الشخصية التي تتمتع بنفس فاهمة، كبيرة، واسعة: تتسع للكون ولا يمكن ان تذوب.. نفس عميقة تمثّلت روحُ الأمة فيها وعبّرت تعبيراً عظيماً عن “الأمال الكبيرة العالقة بها أنفس ملايين البشر”(4) وعن إرادة “أمة ستعود إلى الحياة وتثب للمجد” والفلاح… (5)
الأول من آذار هو عيد سعاده – رجل القضية القومية وصاحب النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن: هذه الشخصية الفريدة، المتواضعة، القريبة للقلوب والكبيرةً في إيمانها وحبها وإخلاصها والغنيةً في أحلامها وطموحاتها ورغائبها العالية..
الأول من آذار هو عيد الزعيم – الذي يجمع بعقله مجموعة من العبقريات وموسوعة من العلوم: هذه الشخصية الأصلية المنبثقة من صميم عظمة الأمة السورية ومن نتاج عبقريتها ونفسيتها… هذه الشخصية التي تفانت بعطاءاتها وتضحياتها من أجل الإرتقاء بالأمة وأهم ما أعطته تمثّلَ بالمناقب الجديدة والتعاليم المحيّية لتشق الأمة طريق حياتها “فأحدثت هذه المناقب والتعاليم “أعجوبة الدهر” ووحّدت المحمديين والمسيحيين والدروز في إيمان قومي اجتماعي واحد ينقذ الأمة إنقاذاً كليًّا”(6) ويرتقي بها إلى قمم المجد..
الأول من آذار هو البداية لمسار التأسيس ولفعل الإستشهاد.. وبالتالي هو الأمل..
هو البداية لحياة الأمة السورية الجديدة التي وُلِدت من رحم تراثها الحضاري بولادة رجل المبادىء والقيم الجميلة.. فبزغ فجر جديد في السادس عشر من تشرين الثاني أشرقت فيه شمس النهضة القومية الإجتماعية لتبدِّد ظلمات الجهل والظلم والباطل ولتملأ الحياة نوراً ودفئاً وجمالاً..
وهو الأمل الصاعد وسط الإنهيار وعوامل اليأس والقنوط.. الأمل بالمستقبل القومي الجميل.. بحياة الأمة الحرة الراقية القائمة على أسس نظام قومي إجتماعي جديد يؤّمن البحبوحة والغنى والعدالة الإجتماعية ويقود إلى الحرية والسيادة والإستقلال وإلى مراقي العز والشرف والتقدم والفلاح..
الأول من آذار هو الإنبعاث والتجدد.. إنبعاث الأمة من الجمود والموت وعودتها إلى الحياة، إلى وجدانها ومعرفتها، إلى بناء نفسها في نهضة شاملة ليعود دورها الحضاري والإنساني فاعلاً في الوجود.. وتجدد الأمل بقدرة هذه الأمة ومواهبها، بقيمها وعظمتها، وبربيعها الدائم والواعد بمواسم العطاء ودفق الخيرات والإنتاج وبأعياد النصر والفرح والإبتهاج…
القوميون الإجتماعيون، رجالاً ونساءً وشيوخاً.. طلاباً وأشبالاً وزهرات.. نسوراً ومقاومين، جميعهم يفرحون، في هذا العيد وفي كل يوم من أيام السنة، بهبة الحياة، بميلاد سعاده – رجل الفكر والعلم والقضية الذي أطلق فعل التغيير ومشروع النهوض والإرتقاء بالأمة وبناء دولتها القومية القوية…
القوميون الإجتماعيون يفتخرون بعطاءات سعاده وتضحياته الكبيرة.. بإنجازاته العظيمة وبما قدّمَه من حقائق ساطعة تضيء على وحدة الأمة الإجتماعية وهويتها القومية وتدلِّلُ على تاريخها الثقافي والسياسي وعلى إرثها الحضاري الغني بالمآثر والإنجازات.
القوميون الإجتماعيون يلهجون بإسم سعاده وبعقيدته الجامعة وحقيقته الدامغة.. ينهلون من معينه الذي لا ينضب ويستمدون من تعاليمه نور الهداية ويسيرون على ضوئها ويقتدون بإيمانه العظيم بأمته الهادية للأمم.. فهو العالم – الفيلسوف والمعلم – القدوة وهو القائد الجريء الذي استّخفَ بالموت ورحَّبَ به وهو الزعيم الذي أقسمَ في عيد ميلاده على ان يقفَ نَفسه لوطنه سورية ولأمته السورية وعلى ان لا يستعمل سلطة الزعامة إلا من أجل القضية القومية ومصلحة الأمة التي شغلت فكره منذ كان حدثاً فصمَّمَ ان يرفعَها “من حضيض الذل والإستعباد إلى الرقي والمجد” فكانت حياته كلها تعبيراً راقياً عن قيم العطاء والبذل والتضحية والصراع وملحمة في التفوق والإبداع وفي البطولة ووقفات العز إنتهاء بالإستشهاد.
هذه هي حقيقة هذا العيد: إيمان عظيم يغمر قلوب القوميين الإجتماعيين وشعور نبيل يكنّونه للزعيم المعبِّر الأوفى والأسمى عن حقيقة الأمة وآمانيها. هذه هي حقيقة فرحهم الكبير النابعة من محبة كبيرة لهذه الشخصية التاريخية التي وقفت نفسها على حياة الأمة ورقيها وأقسمت يمين الحق غير شاعرةٍ بأنها تقدم منّة للأمةِ بل تشعُرُ بأنها تعطي الأمةَ ما يخصها من خيرٍ وطموحٍ وعظمةٍ لأن “كُلَ ما فينا من الأمةِ وكُلَ ما فينا هو لِلأمة..”(7)
- أنطون سعاده، “عيب الحزب السوري القومي”، الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 31، 1/11/1941
- هذه العبارة لسعاده. المرجع ذاته.
- المرجع ذاته.
- أنطون سعاده، “لو لم أكن أنا نفسي…!”، الآثار الكاملة 1 – أدب، بيروت، 1960، ص 213.
- المرجع ذاته.
- أنطون سعاده،”نعمة ثابت بطل الخيانة”، نشرة عمدة الإذاعة، بيروت، المجلة 3، العدد 4، 15/08/1947.
- خطاب الزعيم في أول آذار، كل شيء، بيروت، العدد 101، 4/3/1949
بقلم: الأمين د. ادمون ملحم