كلّ هذا هو أنت!

كلّ هذا هو أنت!

“الأول من آذار” عبارة من كلمات ثلاثة تتراصف في الوجدان كسلسلة تجرّ خلفها جلجلة من الذكريات. كل ذكرياتي في ما يخص الحزب، تؤلمني…
وضعه الحالي ووضعه السابق ووضعه اللاحق، صورته بين ابناء الامة وفعالية الفعل امام الواقع..
كل شيء في انطون سعادة يوجعني، أشعر بآلامه ووحدته وتعبه وانعتاقه وكفاحه وغربته…
كل شيء يوجع حين يفكر الإنسان في مدى النبل والإيثار والظلم الذي طبع مسيرة حياة المفكر والشهيد والنابغة والزعيم والمعلّم انطون خليل سعاده.
هناك تواريخ ثلاثة تعنينا، تعنينا بكينونتنا، بتشكيلتنا، بعقيدتنا، بفهمنا لنفسنا ودورنا وبلادنا.
أزمنة ثلاثة في السنة، ترتبط ارتباطاً اساسياً بالانسان الجديد الذي شكّله فينا أنطون.
أوّلها الأول من آذار: ولادة وحياة وربيع وعشتار ونوروز وشمس وأكيتو بريختو، وأنطون… وكل شيء حي…
بلادي الولّادة الحيّة المبدعة المزخرفة بكل فن وكل علم وكل تميّز في تاريخ الانسانية.
ثانيها الثامن من تموز: أدونيس الصريع ودمه الراوي أبداً. شهيد الحق الذي يقتله الجهل والكره والعدوان. مدرسة الفداء من الأرض الى السماء؛ من ماضي بلادنا الى حاضرها. شهادة مفكر قرر ان يعرج صريع افكاره ولا يساوم عليها، ان يدافع عن حقيقة البلاد مجرّداً الا من إيمانه.
وثالثها السادس عشر من تشرين: تلك التي تعني بناء صرح تذوب فيه الأنا، ويصبح الإنسان الجديد مشروعاً جمعياً وطنياً كبيراً ويمتد ويفرش ذاته على ارض البلاد ليعمّرها ويقويها ويغنيها…

سلسلة تذكارات في الأول من آذار: “ذاك آذار يا جفون استفيقي واشربي
الضوء من سنا آذارٍ…….هذه يقظة الصواعق والريح هذي شرارة الإعصار…أنا فيها صدرٌ يتوق إلى الموت
وقلبٌ يهوى عناق النار.
انا فيها آمنت بالموت درباً ملحمياً مهدم الأسوار”
قصائد بركانية في فم الرفيقة خلف المنبر، كتبها جهادي استشهادي شاعر اسمه كمال خير بك قبل أن تولد. تردد القصيدة فتردد القَسَم. قسَماً للغة، قسماً للأم، قسماً للنحن، قسماً للحق، قسماً لأنطون الحبيب الذي تجلى فيه كل هذا وأكثر…
ولد كمال خير بك في القرداحة، فحوّله أنطون إلى زند يقاتل عن أمةٍ بعقله الذي جعله شرعه الأعلى. مشى كمال من القرداحة باللاذقية إلى بشمزين في الكورة ساخراً من جدّ سايكس وعمّ بيكو. سكن الكورة في شمال لبنان. علّم اللغة العربية في المدرسة ودافع بين الأزقة عن زيتونها. ثم ركب جواده من بشمزين الى بيروت، وسار فيها مع الاذكياء، ومنها صعد الى الطائرات، حيث حارب من الشفق المعلّق بين الأرض والسماء من غزا بلادنا وهجر أهلنا واثار فينا النكبات، وبعدها فتح كمال باب السماء وسافر فيها شهيداً.
أستذكر كمال وأستذكر قصيدة كمال، التي ألقيتها بالتشارك مع الرفيقة الشامية “ذكيّة” عام 2009 وكنت في بداية انخراطي في منفذيّة الطلبة في بيروت.
كلما تذكرت الحزب تذكرت مواجعه ومواجعي ومواجع أمّنا أمّتنا وشعبنا الدامي من فلسطين الى انطاكيا مروراً ببغداد وحلب والشام وطرابلسها واللاذقية وبيروت.. موجوعون نحن يا أنطون.
حسبنا بأن مولدك، وجودك، نموذجك، مثالك، في الفكر السياسي، في المسار الفدائي، في الانضباط الشخصي، في الإيثار القدسي…
حسبنا بأن كل هذا هو أنت ، وكل هذا باقٍ… وبأن أمتنا العظيمة وشعبها ينتظر حقيقته التي بذلت حياتك الدنيوية تبشره بها، وفرضت وجودك بعد الموت ونقلتها لنا بصرحٍ دام عقود، بكل انواع العلل، وبقي يخرّج في كل فجر “كمال” و”سناء” في كلّ عشيّة.

غدي فرنسيس