تمرّ منطقتنا، بعد ملحمة غزة، في طورٍ مصيري جديد تحاول فيه قوى الاستعمار الأميركي ـ الأوروبي ـ الصهيوني، ومعها أدواتها في الداخل والخارج، إعادة تركيب المشهد المشرقي على أسسٍ تخدم مصالح العدوّ اليهودي وتضمن استمرار السيطرة على موارد الأمة وموقعها الجيوسياسي. هذه المرحلة الحساسة تفرض على الحركة القومية الاجتماعية وعلى كلّ المؤمنين بعقيدة النهضة أن يقفوا موقفَ الوعي والإرادة والتنظيم، وأن يواجهوا محاولات الخداع باسم «السلام» و«الاستقرار» و«إعادة الإعمار»، بما ينسجم مع مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي ونظامه.
إنّ الحرب على غزة ليست حدثًا معزولًا، بل هي فصل من فصول الصراع الوجودي بين إرادة الحياة في أمتنا السورية، وإرادة الفناء التي تمثّلها اليهودية العالمية وحلفاؤها. لقد كشفت المعركة عن عمق التآمر الغربي–الأميركي، وعن محاولات فرض تسوية سياسية واقتصادية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتفريغ الصراع من جوهره القومي.
وإنّ تداعيات هذا الواقع تمتدّ من فلسطين، إلى لبنان وسورية والعراق والأردن وكلّ كيانات الأمة، حيث يُراد تحويلها إلى ساحات نفوذ متقابلة خاضعة للابتزاز السياسي والمالي. فلبنان يُضغط عليه لتجريد المقاومة من قوتها الردعية، ما قد يقوده إلى حربٍ أهلية؛ وسورية تُستنزف في صراع داخلي تحكمه سلطةُ الأمر الواقع التابعة للإرادات الخارجية؛ والعراق، حيث الصراعات الداخلية المربكة سياسيًا واقتصاديًا، يُضغط عليه لإجباره على القبول بترتيبات ما بعد الحرب.
إنّ ما يُسمّى «إعادة الإعمار» ليس سوى أداة استعمارية جديدة تُراد بها مصادرة قرار الأمة من الداخل، عبر المساعدات المشروطة والاتفاقات الأمنية وبرامج التمويل المقنّعة. وتسعى الولايات المتحدة وأوروبا إلى:
1. ترسيم نفوذٍ جديد يجعل الكيانات السورية دويلاتٍ تابعة.
2. إضعاف قوى المقاومة عبر تفكيك الحاضنة الشعبية والمجتمعية لها.
3. تبديل المفاهيم بحيث يصبح «الاستقرار» بديلاً عن «الحقّ»، و«الازدهار الاقتصادي» بديلاً عن «السيادة».
لكنّ الوعي القومي المتسلّح بعقيدة الحياة الواحدة للأمة السورية، يدرك أنّ هذه المشاريع ليست إلا استمرارًا لسياسة سايكس–بيكو بأشكال جديدة. إنّ الردّ القومي لا يكون في التمنّي ولا في الانفعال، بل في التنظيم والعقل والعمل المنهجي. فالنهضة القومية الاجتماعية قامت لتبني الإنسانَ المجتمع — المجتمع القوي الحرّ، المنظّم، المنتج، المؤمن بحقيقته ومصيره.
وعليه، فإنّ المعركة ما بعد غزة يجب أن تتحوّل إلى معركةِ بناءٍ شامل، يُستعاد فيها الفعل القومي المنظّم عبر:
1. مقاومةٍ شاملة: لا تقتصر على البندقية، بل تمتدّ إلى المقاومة السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية.
2. تنظيم المجتمع في مؤسسات منتِجة تُمكّنه من الصمود الاقتصادي وعدم الارتهان للمساعدات المشروطة.
3. بناء جبهة قومية وطنية تضمّ القوى المقاومة الوطنية ضمن رؤية واضحة لمستقبل الامة.
4. إطلاق حركةٍ فكرية وإعلامية تُعيد تعريفَ المعركة بوصفها معركةَ وجود الأمة السورية ضدّ مشاريع تقسيمها واستعبادها.
5. تدريب إنسان المجتمع الجديد ليكون جاهزًا ماديًا ومعنويًا وفكريًا لمهام النهضة والمقاومة القومية.
لقد علّمنا سعاده أن «المجتمع معرفة والمعرفة قوة»، وأنّ النهضة لا تقوم إلا بالإنسان الجديد. من هنا، فإنّ الجهوزية الحقيقية لا تُقاس بعدد البنادق، بل بمدى تنظيم القوى، ووضوح الهدف، وتكامل الفكر، والإرادة، والعمل.
إنّ المطلوب اليوم:
• إعداد شبكة إنتاج قومي محلي تؤمّن الغذاء والدواء والطاقة بعيدًا عن الابتزاز الخارجي.
• إقامة مراكز تدريب للشباب في مجالات الإدارة والدفاع المدني والمهن الإنتاجية.
• تعزيز التربية القومية في المدارس والمعاهد والبيوت ليشبّ الجيل الجديد على الإيمان بالأمة ووحدتها الاجتماعية.
• دعم العمل الثقافي والإعلامي القومي الاستراتيجي الذي يرسّخ القيم والأخلاق النظامية ويردّ على حملات التضليل الغربية.
لسنا أمام استحقاقٍ عابر، بل في مواجهة مشروعٍ يراد به القضاء على روح الأمة. ولذلك فإنّ واجبنا القومي اليوم هو:
1. أن نثبت للعالم أنّ إرادة الأمة لا تُباع ولا تُشترى.
2. أن نعيد تنظيم قوانا القومية والاجتماعية في جبهةٍ واحدة تعبّر عن مصلحة الأمة العليا.
3. أن نحول دون استفراد أيّ كيان من كياناتنا بالضغوط السياسية عبر التضامن العملي والميداني.
4. أن نفعل العمل النهضوي في صفوف الشباب، لأنّهم طليعة الصراع وأمل الأمة.
إنّ المرحلة ما بعد غزة لا تُواجه بالعواطف، بل بالإرادة والقوة المؤمنة بصحة العقيدة. إنّنا نؤمن بأنّ المقاومة القومية الشاملة هي التعبير الطبيعي عن إرادة الأمة في الحياة الحرة. ولن يستطيع أيّ مشروع استعماري أو تقسيمي أن ينتصر على أمةٍ تعرف حقيقتها، وتستعيد ثقتها بنفسها، وتوحّد إرادتها القومية.
فلنجعل من هذا الطور مرحلةَ بعثٍ جديدٍ للنهضة القومية الاجتماعية — نهضة العقل والنظام والإرادة — ولنعمل جميعًا لبناء مجتمعٍ قويٍّ منتجٍ، قادرٍ على حماية وجوده وحقوقه ومصيره القومي في معترك الحياة.
احمد الايوبي

