الشعب السوري من حقه أن تتوضح له المفاهيم الأساسية الكبرى التي تأسست وأنشأت الدولة على أساسها، فالدولة كمؤسسة كبرى للشعب ما هي إلا تعبير عن المبادئ والقيم الإنسانية العليا للشعب، وهي المعبرة عن إرادة الشعب والمصلحة العامة الواحدة للشعب، وهي ونظاماتها واجبها أن تكفل للشعب الحرية والحقوق المدنية، والعدالة، والحياة العزيزة ،والكريمة.
وانطلاقاً من القاعدة العلمية التي تقول: لا بشر حيث لا أرض ولا جماعة حيث لا بيئة ولا تاريخ حيث لا جماعة.
الأرض والشعب متلازمان لحقيقة الأمة، وأن الترابط بين الأمة والوطن هو المبدأ الوحيد الذي تتم به وحدة الحياة.
ومن القواعد العلمية أن الأمة هي تعاقب واستمرار أجيالها على بيئة طبيعية طالما بقيت الحياة. ويقول المعلم: إن الوطن ملك عام، لا يجوز حتى ولا لأفراد سوريين التصرف بشبر من أرضه يلغي أو يمكن أن يلغي فكرة الوطن الواحد وسلامة وحدة هذا الوطن الضرورية لسلامة وحدة الأمة السورية. هذه السيادة وهذا مفهومها.
الحرية والسيادة لهما مدلولهما العلمي، عند المؤمنين بفكر سعادة الخالد هما مثل عليا ناشئة من نفسية الشعب السوري؛ فلا يمكن أن يمثلها أو يحققها لهم غيرهم. ويؤكد المعلم بقوله: لسنا هذه الجماعة التي يمكن أن يقرر مصيرها بإرادة غير إرادتها في مؤتمرات من دول أو منظمة من أغلبية الدول في العالم، أو أن يقرر مصير أية قضية تخص سورية والأمة السورية. والحرية بحقيقتها هي حرية الصراع لتحقيق مجتمع أفضل.
إذن، ليست السيادة كما تقدمها أقلام المرتزقة ولا أفواه من ينتظر راتباً من محتل الأرض أو من داعم لمحتل الأرض والوطن السوري. من يتنطح أنه مدافع عن السيادة وينصب نفسه حاميها باسم الموقع الرسمي، عليه أن يمارس دوره في الحفاظ على أرضه وشعبه وثروات الأجيال المتعاقبة. السلطة التي ترفع شعار السيادة يجب أن تكون القوة القديرة وأن تقف بوجه العدو اليهودي والأجنبي المنتهك لسيادة الوطن، وعليها ألا ترفع شعار السيادة بوجه المواطنين الذين بذلوا الدماء وقدموا الشهداء لحفظ الوطن وحرية وكرامة الشعب السوري. السلطة في الدول السورية التي تريد أن تحتكر القوة ـ وأية قوة تحتكر؟ وهل قوة الأمة تحتكر لمؤسسة أو فئة فئوية لا تعبر عن إرادة الأمة، بل تعبر عن المحتل والأجنبي المستعمر. ما رأينا في لبنان سلطة اهتمت في بناء قوة لتحمي لبنان، واليوم لا نرى في الشام سلطة تقول: سنحمي الديار. وما وجدنا سلطة في الأردن إلا سلطة باعت الوطن بالحفاظ على عرش ذليل زائل، ورأينا كيف تخلت السلطة الفلسطينية من دماء الأطفال وكيف كانت عوناً لليهودي على أبناء الشعب. أية سيادة وأية حرية وأي استقلال يتشدق به السلطات الحكومية في الدول السورية؟ الشعب السوري يذبح في فلسطين وفي لبنان وفي الشام والعراق، ولا نرى موقفاً من هذه الحكومات فيه شرف أو انتفاضة لكرامة شعب يذبح ويقتل، وهذه السلطات تسابق بعضها لكسب ود العدو اليهودي ومن ورائه من الدول الاستعمارية. دم شعبنا شيباً وشباباً وأطفالاً يسيل كل لحظة، وكل هذه السلطات ترحب بالسلام، بل بالاستسلام، بل تنوب عن العدو اليهودي في ملاحقة المقاومين الأشراف. كفى تزويراً للمفاهيم القيمية؛ هذه الحكومات ليست وطنية، وليست سيادية، وليست استقلالية، وليست حرة. هذه الحكومات هي وليدة نفسية ذليلة وحقيرة، وروح العبودية ملء نفسها. هذه الحكومات ليست معبرة عن مصلحة الشعب ولا هي حافظة لأرض الوطن؛ هذه الحكومات ركبت ورتبت وضعها لتكون تابعة للعدو اليهودي والاستعمار، هذه الحكومات تستقوي على أبناء الشعب المقاومين الشرفاء بالأجنبي والعدو.
مهام الدولة أن تلملم وتضمد جراح شعبها وأن تبني ما هدمه العدو أو ما ساهمت هي في تهديمه.
أين السلطة الفلسطينية من هذا الواجب؟ وأين السلطة اللبنانية من واجب احتضان المواطنين المنكوبين وأين هي من مقاومة العدو اليهودي المحتل؟ وأين السلطة الشامية من إعادة إعمار ما جنته يداها وأين هي من حماية حدودها؟
الدولة ليست سلطة قاهرة تمثل إرادة فئة أو مجموعة أو تحالف سياسيين، الدولة سلطة قوية واجبها أن تحقق حياة أفضل للأمة وأن تحقق إرادة الأمة وتحافظ على حريتها، لا أن تقمع وتقهر مكامن القوة والحرية في الأمة.

