إذا قُهر الشعب يوماً، فلن يُقهر دوماً…

في حمص، المدينة التي كانت يوماً لؤلؤة الشام، تجتاحها اليوم زوابع تفوق الخيال. تلوث بصري خانق، ودموية عمياء جعلتنا نكتشف وحشيتنا بأبشع صورها. لا شيء يُرى سوى تسونامي العنف والسلاح، قرصنة وغطرسة وشعارات طائفية وأخبار قتل وموت تتكرر بلا انقطاع.

يا لهذه المدينة التعسة! لم يعد يُسمع فيها إلا صوت الرصاص… صباحاً، مساءً، ظهراً، عصراً، فجراً. مدينة أشباح ملثمة، لا تقع العين فيها إلا على بنادق محمولة، وجوه متجهمة، وخوف يتسرب في كل زقاق. أصبح بإمكان أي شخص يحمل ميلاً للجريمة أن يقتل أو ينهب أو يخطف أو يهين علناً، وبدمٍ بارد، دون رقيب ولا حسيب! وكأننا عُدنا إلى زمن ما قبل الإنسان.

كل الدروب في حمص تقود إلى الهلاك. آلاف اختفوا قسراً، ومصيرهم مجهول. آلاف آخرون عُذبوا بالحديد والنار وقُتلوا بلا ذنب. مئات النساء خُطفن وغُيبن، وفي “أفضل” الحالات، يُحاك لهن سيناريو ملفق ليبرر جريمةً بشعة. كثيرات وُضعن تحت تجارة الرقيق والاستعباد الجنسي. فأي مدينة هذه؟ أكابول هي؟ أم أن حمص تحولت إلى مرآة للفوضى العارمة والجرائم التي تتخذ أشكالاً شتى دون حسيب أو رادع؟

لقد طفح الكيل. التوبيخ الشديد لمن يُشيح بصره عما يحدث. للصمّ البكم العمي الذين قرروا الصمت. وللذين وجهوا طاقتهم نحو القتل المتعمد، بلا قانون ولا محاسبة. الميل صار واضحاً وصريحاً لإيذاء شرائح اجتماعية بعينها. الفأس وقع في الرأس، والجرح يتعمق بالكلمات.

صرخات الضحايا ما زالت تدوي في الآفاق، ضحايا الافتراس وفتك الوحوش المتعطشة للدماء. أما وجوه الذين قرروا أن يرموا بالوطن في غياهب الجب، فهي من جصّ أو خشب. الأبرياء ما زالوا يدفعون فاتورة “النصر” الوهمي والثأر الأهوج، فيما أبواق المديح وجليد الكراهية والموت ما زالوا سادة الموقف.

الكل يهرب إلى سراديب الخفايا، يستر الجرائم بلا رحمة، دون تدقيق في التفاصيل، منسجمين مع واقع مشوه بلا بديل. طريقة الخطاب نفسها تكشف نفسياتهم: وجوه جامدة قاسية، ونبرة استفزازية لا تعبأ بكرامة الناس. وهي مؤشرات خطيرة.

كلمة الشعب هي كلمة الله على الأرض. والعقل يتجه دائماً نحو الحرية. لكل زمن سفهاء وعقلاء، لكن المستقبل لا يُبنى إلا بعيونٍ تنظر إلى الأمام، وقلوب تنبض بالوطنالجمعية السورية الثقافية الاجتماعية

نسرين عواد