تخرج الولايات المتحدة الأميركانية بشكل واضح وجليّ عن السياق العام المعمول به دولياً في مجال العلاقات الدولية، حيث تنتقل من دولة تتبنى الدبلوماسية الناعمة إلى نبرة المستعمر المتغطرس المتوحش الذي يهدد بفرض العقوبات والحصار تارةً، ويمارس الأعمال الحربية تارةً أخرى.
فالولايات المتحدة الأميركانية لا تتبع في سياستها الخارجية منهج الدبلوماسية، بل تنتهج سياسة التبليغ والتهديد والوعيد للدول عبر دبلوماسييها، وهذا الأسلوب الفجّ لا يُطبّق على دول بعينها، بل مع جميع دول العالم باستثناء دولتين هما: المملكة المتحدة والكيان اليهودي المغتصب لفلسطين.
إن الرهان على السياسة أو الدبلوماسية والعلاقات الدولية القائمة على احترام سيادة الدول، والتي تتضمن التبادل الاقتصادي والثقافي وتقاطع المصالح، ليس من مبادئ السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركانيةـ وما تمارسه الولايات المتحدة في الوطن السوري ودول الجوار هو سياسة المستعمر المتوحش الذي يُلزم الدول بالاستسلام والانصياع للشروط التي تخدم الأهداف الأميركانية في بلادنا والمنطقة.
أما الهدف الرئيسي فهو السيطرة بمفردها على الموارد الطبيعية لبلادنا ومنطقتنا بأكملها، ومن أهدافها العملية تفويض “كيان العدو اليهودي” بالهيمنة على المنطقة بشكل عام ليعاونها في إخضاعها، وأن يكون هذا الكيان المغتصب ضامناً لاستمرار الهيمنة الأميركانية على المنطقة، فعديد جيش العدو اليهودي يتجاوز الأربعماية والخمسين ألف جندي، وتعتبره الولايات المتحدة فرقة من جيشها تدعم مصالحها في المنطقة.
من الصعب أن يقتنع أحد في أنحاء العالم بأن الولايات المتحدة الأميركانية تتعامل ديمقراطياً مع شعوب الأرض، أو تمارس العلاقات الدولية من منظور تبادل المصالح، خاصة بعد خطاب الرئيس الأميركاني ترامب على منبر الأمم المتحدة، وهو المنبر الذي شكك في جدواه زاعماً أن الامم المتحدة لم تُنهِ الحروب، متناسياً أن بلاده هي من يشن الحروب وتفتعل الفتن بين الشعوب.
وقد كشف ذلك الخطاب أن المرجعية العالمية من وجهة النظر الأميركانية هي الولايات المتحدة نفسها، وأن مصير كل من يعترضها حليفاً كان أو خصماً هو العقوبات ورفع الرسوم الجمركية والحصار الاقتصادي، ناهيك عن الحرب المدمرة.
فمن يصدق في الوطن السوري، أن الولايات المتحدة حليفة بعد تصريحات المندوب الأمريكي السامي على بلادنا توم باراك، الذي يتوعد شعبنا بحروب داخلية ويطالب الحكومات السورية بالاستسلام أمام العدو اليهودي والأطماع الأميركانية؟ وفيما يخص لبنان، قال صراحةً عبر الإعلام: “لن ندعم الجيش اللبناني ليقاتل العدو اليهودي، بل ندعمه لمواجهة حزب الله”، هذه هي وضوح السياسة الأمريكانية تجاه شعبنا ووطننا.
وبعد أن أعلن ترامب من على منصة الأمم المتحدة موافقة إدارته على جرائم العدو اليهودي بحق أطفال فلسطين، أليس من الواجب أن يدرك السياسيون في الدول السورية أن لا قيمة لهم ولا لشعوبهم في السياسة الأميركانية؟ أليس عاراً على سياسيينا أن يستقبلوا مبعوثين أميركانيين، أو أن يعوّلوا على الولايات المتحدة للدفاع عنهم عندما يشن العدو اليهودي هجومه، أو يرجو من الولايات المتحدة الأميركانية ضغطها عليه للحد من اعتداءاته؟
لقد أصبح من الواجب على الشعب السوري وشعوب العالم العربي والمنطقة أن يدركوا أن الانقياد للولايات المتحدة والعدو اليهودي هو انقياد ذليل، وأن المراهنة على السلام مع العدو تحت الهيمنة الأميركانية هو سير طوعي نحو العبودية، والتمسك باتفاقيات السلام أو السير في اتفاقية الإبراهيمية هو إجهاض لحقوق شعبنا وشعوب المنطقة لمصلحة العدو اليهودي.
لذا فإن على حكومات الدول السورية ودول الجوار أن تقطع هذه العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة، وأن تسعى للحفاظ على شعوبها وأراضيها ومواردها وحريتها وسيادتها وكرامتها، وأن تفكر في رفض السياسة الأميركانية والتوجه نحو الوحدة لمواجهة التهديد الوجودي من قبل العدو اليهودي والمستعمر الأميركاني.
والشعب السوري مدعو لتشكيل جبهة سياسية وشعبية كبيرة لحماية المقاومة التي تحارب العدو اليهودي والمستعمر الأميركاني على جميع المستويات، وأن يتوقف عن الركض خلف النزاعات المناطقية والدينية والمذهبية والسياسات الأجنبية، ويتحد في وجه العدو الجاثم على صدر كل سوري وعربي، وإلا فمصيره الهلاك، وما حدث في فلسطين والمذابح المستمرة فيها هو أكبر دليل على حقيقة اتفاقيات السلام واتفاقية الإبراهيمية والسياسة الأميركانية.

