فتحت الدعوة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إلى حوار مع المملكة العربية السعودية مجالات عدة للبحث في خلفيات الموقف الإيجابي في هذا الوقت بالذات. ومن المؤكد أن خطوة على هذا المستوى السياسي الحساس ما كانت لتتم لولا وجود أضواء خضراء مُشجعة وأضواء حمراء مُحذّرة صادرة عن مراجع إقليمية ودولية معنية بالوضع في لبنان.
لا شك في أن التوجه الجديد لحزب الله هو حصيلة سلسلة مراجعات داخلية فرضتها عليه (وعلى محور المقاومة) التطورات الأمنية والميدانية والسياسية منذ اندلاع حرب الإسناد لدعم غزة بعد عملية «طوفان الأقصى». ونحن نعتقد أن المراجعات شهدت مشاركة قوى حليفة لحزب الله، بينما تمارس أطراف أخرى الضغط المتواصل لإنهاء المقاومة تحت شعار «سحب السلاح».
ويبدو لنا أن الضغوط والإغراءات نجحت جزئياً في تحييد أو تغيير بعض مَنْ كانوا يُعتبرون في صف المقاومة. ومثل هذا التصرف متوقع، لأن هؤلاء «البعض» هم من أصدقاء الرخاء والبحبوحة وليسوا من شركاء المصير القومي. ومن نافلة القول إن «محور المقاومة» يدرك خلفيات تلك المواقف.
ومع أن حزب الله يتلقى تهديدات متواصلة، ترافقها ضربات إرهابية تستهدف البيئة الحاضنة، إلا أنه يحتفظ حتى الآن بأوراق قوة يمكن أن تخفف العبء عنه مرحلياً. أهم ورقة وأكثرها بروزاً أنه ينطلق من القاعدة الشيعية التي تشكل جزءاً أساسياً من بنية النظام الطائفي في الكيان اللبناني. فالثنائي الشيعي حريص على عدم السماح للتباين في بعض وجهات النظر من أن يتحول إلى انقسام ذاتي مدمر داخل الطائفة الشيعية.
هذا في الداخل اللبناني، أما على المستوى الإقليمي فلا تزال إيران تقوم بدور حاسم في دعم الحزب على أصعدة متنوعة، أهمها في هذه المرحلة المساندة السياسية والديبلوماسية. والأرجح أن اللقاءات التي يعقدها مسؤولون إيرانيون كبار في عدد من العواصم العربية تصب في سياق «المراجعة» المطروحة لدى «حزب الله»!
إننا مهتمون بالتطورات السياسية والأمنية المتوقعة على هذا الصعيد إنطلاقاً من كوننا قوميين اجتماعيين، وجزءاً أصيلاً من «محور المقاومة». وعندما ندرك أن دعوة الشيخ نعيم قاسم إلى الانفتاح على السعودية قد تؤسس لسياسات جديدة، فيصبح من مسؤوليتنا المباشرة «مراجعة» مواقفنا العامة، ووضع الخطط المناسبة لكل السيناريوات المحتملة.
والمراجعة التي نشدّد الدعوة لها ستكون على مستويين:
الأول، ورشة عمل مجموعية تشمل كل الأطراف التي تكّون «محور المقاومة»، للإستفادة من تجارب الماضي والتخطيط للمستقبل.
الثاني، مؤتمر دراسي يعقده كل طرف في المحور على حدا، ويأخذ في الاعتبار المكونات الذاتية.
الحزب السوري القومي الاجتماعي معرّض لأخطار داهمة أكثر من أي طرف آخر في «المحور». فليس عنده طائفة تحميه في «دويلات الطوائف»، وليس من الحصافة الركون إلى وعود داخلية وإقليمية. ذلك أن تاريخنا مليء بالدروس والعبر حتى لا نسقط مرة أخرى في دوامات تتربص لنا عندها كل القوى المعادية.
فليراجع المراجعون مواقفهم وممارساتهم، وليقرروا ما يرونه مناسباً لمصلحتهم. وقد تلتقي نتائج المراجعات عندنا جميعاً، وقد تتباين. لكن مصلحتنا القومية يجب أن لا تحددها سوى إرادتنا المستقلة. وإذا أردنا حماية مفهوم المقاومة وبناء المجتمع المقاوم… فالعمل الجدّي المجدي يبدأ من هنا!!

