السلطات والفصل بينهم
في مقدمة دستور الحزب، الذي تأسس بالتعاون بين:
1 ـ الشارع، صاحب الدعوة، على أن يكون زعيماً مطاعاً بقيادته وتشريعاته.
2 ـ المقبلون على الدعوة أعضاء في الحزب، يدافعون عن القضية التي يمثلها الحزب مؤيدين الزعيم.
وهيكلية السلطة، جاءت على الشكل التالي:
1 ـ المادة الرابعة من الدستور (الزعيم قائد الدولة القومية وبصفته المؤسس، فهو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية.
إضافة للزعامة، وحسب المادة العاشرة من هذا الدستور مجلس أعلى لإبداء الرأي والمشورة للزعيم في الشؤون الخطيرة، وحل مشكل خطير في حياة الحزب.
ولما كان هذا الحزب بقيادة الحزب وسلطاته التشريعية والتنفيذية فهو لا يزال قيد التأسيس، لذا فإن من مهمات هذا المجلس بقيادة الزعيم، صلاحيات تعديل هذا الدستور الحالي ـ أما بعد تاريخ (حيلولة أي مانع طبيعي دائم دون ممارسة الزعيم سلطاته، تنتقل قيادة الحزب لخلف له).
وهذا الخلف له السلطة التنفيذية فقط حسب المادة الثانية عشرة (خلافاً لما كان للزعيم من جمع للسلطات(
أما المجلس الأعلى وحسب هذه المادة، كان استشارياً للزعيم فأصبح يمثل السلطة التشريعية، دستورية وغير دستورية.
أما السلطة الثالثة، التي لم تذكر في هذه النصوص، اعتماداً على كون الزعيم مالكاً لكل السلطات بصفته المؤسس، وأن التأسيس مستمر.
لهذا فقد جاء في المادة الثالثة من المرسوم رقم / 1 / بشأن مؤسسة العمد، والتي فيها ذكر لعميد للقضاء، وأن الهيئة القضائية قد أعطيت (إلى أن يجري تعديل الدستور الحالي) إلى المنفذ العام، وهيئة المنفذية وفقاً للمادة التاسعة العاشرة من المرسوم رقم / 2 / المؤسس للمنفذيات والذي نصه (يحق للمنفذ العام، اتخاذ قرار في جلسة رسمية لهيئة المنفذية بفصل (عقوبة) أي عضو يجد بعد المداولة، أن فصله المستعجل ضروري، فصلاً مؤقتاً، ويجب أن يقدم في الحال تقريراً بذلك إلى عمدة الداخلية وإقتراحاً بالطرد معللاً إذا وجد الأسباب كافية(.
إن هذا النقص، في شأن السلطة القضائية، والتي مارسها الزعيم، وأعطت حسب النص إلى المنفذ العام وعمدة الداخلية، تستكمل بمرسوم تشكيل المحكمة الحزبية.
قلنا إن الحزب في مرحلة التأسيس، وكل نقص أو جهالة تحتاج إلى توضيح يستدركها الزعيم ـ ومثل ذلك ما جاء في رسالته إلى غسان تويني تاريخ 9 يوليو 1946
*(الرسائل ج3 ـ ص 628)
والتي جاءت رداً على الاتهام للحزب بالتشدد العقائدي المؤدي إلى التحجر السياسي، وكان رد الزعيم:
(إن خطط الحزب السوري القومي الاجتماعي، كما هي في فكر الزعيم وتخطيطه وتوجيهه وعمله لم ترم قط إلى إنشاء كتلة عقائدية متحجرة، بل إلى منظمة عقائدية تفعل إرادة وسياسة وحرباً لتحقيق غايته).
ودستور الحزب وتشكيلاته كلها تدل على اتجاهه العملي مع تأمين أساسه العقائدي، ولكن تطبيق هذا التخطيط لم يكن ممكناً بمجرد إرادة المؤسس المخطط ـ بل كان متوقفاً على تطور الحركة نحو تهيئة أسباب التطبيق ـ وهذه التهيئة كانت تقتضي عدة شروط
1 ـ اكتمال مرحلة التأسيس والنمو، التي هي مرحلة إرساخ العقيدة واكتساب العناصر الفاعلين على أساسها
2 ـ التي يقتضيها التخطيط المذكور.
3 ـ حصول ظروف سياسية مواتية.
من هذا القول لحضرة الزعيم، الذي يرمي به على تقصير من حوله من المفكرين، وتقاعسهم باستكمال الدروس وإبداء الآراء وإعطاء المشورة.
وتأكيداً على مبدأ فصل السلطات، وهو مبدأ العالمي لكل الدساتير الدولية، إن كانت نطبق عملياً، أو يتم تجاوزها
الفصل بين السلطات، في نشوء الأمم
للفائدة ننشر كامل النص كما ورد في نشوء الأمم
*(138 ـ 139 طبعة دمشق 1951)
هذا هو مبدأ الديمقراطي الذي تقوم عليه القومية، فالدولة الديمقراطية هي دولة قومية حتماً، فهي لا تقوم على معتقدات خارجية، أو إرادة وهمية، بل على إرادة عامة ناتجة عن الشعور بالاشتراك في حياة اجتماعية اقتصادية واحدة ـ الدولة أصبحت تمثل هذه الإرادة، وتمثيل الشعب هو مبدأ ديمقراطي قومي لم تعرفه الدول السابقة، الدولة الديمقراطية لم تمثل التاريخ الماضي، ولا التقاليد العتيقة ولا مشيئة الله ولا المجد الغابر، بل مصلحة الشعب ذي الحياة الواحدة الممثلة في الإرادة العامة في الإجماع الفاعل، لا في الإجماع المطاوع، تحت هذا العامل الجديد، عامل القومية الظاهر، في تولد روح الجماعة والرأي العام، تغير معنى الدولة من القوة الحاكمة المستبدة إلى سياسة المتحد وحكمه بنفسه، والوسيلة التي مكنت المتحد من تحقيق هذا المبدأ الجديد هي التمثيل السياسي الذي مكن في الفصل بين السلطة الاشتراعية والسلطة التنفيذية، وترجيح كفة السلطة التشريعية لأنها تمثل إرادة الشعب تجاه الملك القابض على مقاليد الأمور، وتجاه السلطة التنفيذية المستولية على وسائل القوة)
وفي الصفحة (98) تحت عنوان (فوارق السلطة) يقول:
(كل دولة مهما كانت بسيطة تتألف من ثلاث وظائف، تشريعية وتنفيذية وقضائية)
(ولا يعني هذا التقسيم مطلقاً أن هنالك توزيعاً لوظائف الدولة يجعل السلطة التشريعية أو التنفيذية في يد الأمير أو مجلس الشيوخ ـ على أن تكون كلاً منهما مرجعاً خاصاً لأحداهما وكذلك القضاء)
*(ص99)
آراء في فصل السلطات:
يقول نزيه أبو كامل في كتابه (شروح في النظام القومي الاجتماعي)
(إن المادتين / 11 و12 / من الدستور ترى أن السلطة يوجهها التشريعي والتنفيذي، والذين اتحدا بالزعيم، أصبحا في غيابه في عهدة هيئتين متكاملتين هما المجلس الأعلى ورئاسة الحزب، ولكل من هاتين المؤسستين دور يكمل الآخر)
*(ص14)
ويضيف أبو كامل: (إننا نفهم فصل السلطات بمعنى أن يقوم كل جهاز بدوره منفصلاً باختصاصه ومتصلاً بالأجهزة الأخرى في نظام يؤمن التناغم والانسجام والتعاون لمصلحة وحدة الجسم وسلامته)
*(ص15)
يقول الرفيق طه غدار في بحثه (أنطون سعاده، وثوابت فكره الدستوري) المنشور في الكتاب القومي عدد 8 ـ ص 53 ما يلي:
(مبدأ فصل السلطات، مبدأ ديمقراطي بامتياز تعتمده كل الدول المتمدنة، وقال به العديد من فقهاء القانون الدستوري في العالم ـ وقد اعتمده سعاده في أول دستور لسورية القومية ـ إن هذا المبدأ هو قاعدة من قواعد السلطة المقيدة (السلطة تحد من السلطة) كما قال موننتسكيو.
تقسم وظائف الدولة التي تعتمد هذا المبدأ إلى ثلاث، تشريعية، تنفيذية وقضائية أ أي سلطة صنع القانون وسلطة تنفيذه وسلطة البت في الخلافات التي تنشأ من مخالفة أحكامه، ولطالما قيل إن هذه السلطات الثلاث مؤتمنة على سيادة الدولة، والحفاظ على أمن المجتمع ولا سيما لجهة حقوق وواجبات المواطنة، وهي -السلطات- متمايزة عن بعضها لكنها متكاملة ومتعاونة ومتوازنة مع بعضها البعض وعلى أساس هذا التوازن لسلطاتها تقوم استقلالية الدولة وبالتالي احترام قوانين الحرية والعدالة والرعاية الاجتماعية).
هنري حاماتي، من أميز المفكرين القوميين الاجتماعيين، الذين استوعبوا فكر المعلم سعاده العقدي والدستوري.
في كتابه أفكار 3 -تجربة ناقصة، قدم دراسة دستورية عقدية أوضح فيها منطلقات سعاده الدستورية، جاء فيه: (إذا كنا في صدد الفكر الدستوري عند سعاده، من دون فروع فكره القومي الاجتماعي ـ فإننا يجب أن نؤكد أن جسم الحزب كان دائماً ومازال حتى اليوم يعاني من تدني مستوى الوعي في مناحي الفكر الاجتماعي والفكر السياسي عموماً ـ والحزب فكر أولاً)
*(ص14)
لابد لمقارب المذهب الاجتماعي السياسي المؤسس على أحدث الحقائق العلمية من أهلية علمية ذات حد أدنى ضروري أهلية علمية قوامها المعرفة العلمية ـ التي تساعد على فهم لغة المذهب في تصدياته لقضايا الاجتماع والسياسة والعقلية العلمية التي تهيئ لقبول الحقائق العلمية واعتبارها واحترامها)
*(ص15)
يقول أيضاً (إن سعاده في المواد الانتقالية 11 ـ 12 ـ 13 من دستور عهد الزعامة، دستور عهده هو وصف نظام الحزب وصفاً تاماً، سلطة تنفيذية هي لرئيس الحزب وسلطة تشريعية هي للمجلس الأعلى)
*(ص25)
ويخلص إلى:
(إن نظامنا نظام ديمقراطي تعبيري رئاسي ـ وعلى هذا النظام:
– تكون السلطة التنفيذية للرئيس، وهو يجب أن ينتخب من الهيئة الانتخابية.
– تكون السلطة التشريعية فيه للمجلس الأعلى الذي له ـ إضافة لصلاحية التشريع صلاحية درس الموازنة وإقرارها والموافقة على الخطط الخطيرة الفاصلة ـ (يشاركه مجلس دستوري)
– وتكون السلطة القضائية مستقلة.
لقد أطلنا في سرد هذا البحث، لأن الدساتير ما بعد سعاده ومنذ ما سمي مرسوم
/ 8 / لعام 1951 نجد تشابك وتناقض بين السلطات ـ
عبد الوهاب بعاج ـ الحلقة الخامسة

