النظام الديمقراطي التمثيلي كما يُمارس في أنحاء العالم شيء، والنظام الديمقراطي التمثيلي كما يُطبّق في الجمهورية اللبنانية شيء مختلف تماماً. فهو عند اللبنانيين خلطة نادرة فيها الشطارة والبندقة والتلاعب والتذاكي والخوزقة والتشبيح والقبضنة مع كثير من التعصب والتكاذب الوطني، ولا تكتمل صيغة «التعايش» إلا إذا دخلتها عناصر التلوين من عند الإرادات الأجنبية.
هذه الخلطة الديمقراطية أنجبت على مدى عقود مسؤولين لم يفهموا من أساسيات اللعبة الديمقراطية سوى أنها أوصلتهم إلى سدة السلطة. فلم يحافظوا حتى على الشكليات التافهة عملاً بالقول المأثور «إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا»! فما بالك بمن «تمسكن فتمكن» بطريقة تجاوزت أغرب ما عرفناه في خلطة الديمقراطية اللبنانية.
جرت العادة أن تقوم المنافسة «الديمقراطية» بين مرشحين اثنين أو أكثر حسب قوانين الانتخاب في كل دولة. وبعد انتهاء فرز الأصوات يعلن الخاسر تقبله للنتائج، في حين يؤكد الفائز على أنه سيعمل ليكون رئيساً لكل المواطنين. لكن يبدو أن الرئيس اللبناني جوزيف عون، القادم من المؤسسة العسكرية، غير مطلع على تفاصيل ومستلزمات اللعبة الديمقراطية … بنكهة الخلطة اللبنانية!
لقد تقبّل قطاع واسع من المواطنين اللبنانيين، على مضض، المهزلة التي رافقت تدخل الإرادات الأجنبية في «تعيين» قائد الجيش جوزيف عون لمنصب الرئاسة. ولم يتردد قطيع النواب في البرلمان من الاقتراع «الحر» لهذا التعيين، فصار عندنا رئيس للجمهورية.
كان اللبنانيون يأملون، بعد أن ابتلعوا إهانة «التعيين»، أن يمارس الرئيس عون دوره كرئيس لكل المواطنين. إلا أنه لم يفعل! كنا نظن أنه «سيتعلم» شيئاً فشيئاً، وأنه سيعيد قراءة التاريخ في لبنان والمنطقة. غير أن توقعاتنا وآمالنا تتعرض معه إلى كثير من الصدمات، آخرها تصريحاته في ذكرى إعدام بشير الجميل الذي حملته دبابات العدو الصهيوني إلى قصر بعبدا.
لن نناقش آراء وقناعات الرئيس جوزيف عون من حيث ارتباط بشير الجميل بالعدو، فهذه مسألة حسمها التاريخ. إلا أنه من حقنا التساؤل باستغراب شديد عن مظهر شاذ تكشفه مشاركة عدد من المسؤولين في حملة تبييض ساحة شخص اختار العمالة للعدو الصهيوني. ترى هل يقصدون من «تمجيد» بشير التمهيد للعصر الصهيوني الجديد؟
إذا سلمنا جدلاً بأن اللبنانيين منقسمون حول عمالة الجميل، فإن موقف عون وتصريحاته تجعله منحازاً إلى قسم من اللبنانيين… أي أنه رئيس على نصف الشعب فقط. ولذلك فأن الذين لا يرون رأيه من حقهم عدم قبوله رئيساً عليهم.
هذه معضلة عويصة. ولعل الحل الأفضل لها أن يستقيل عون من منصب رئاسة كل اللبنانيين، ويتجه نحو المعسكر الانعزالي المتحالف مع إسرائيل. فهناك سيجد «مربط خيله»، اللهم إلا إذا غلب الطبع التطبع، وعادت «القوات اللبنانية» إلى هوايتها المفضلة في قتل ضباط الجيش اللبناني وجنوده.

