هزّ الاعتداء «الاسرائيلي» على الدوحة، عاصمة دولة قطر، في 9 أيلول الحالي مستهدفاً قادة حركة حماس، الدول العربية لا سيما الخليجية منها، فتداعى قادتها لعقد قمة عربية إسلامية كانت بمثابة رد عالي السقف واللهجة في البيان الختامي. لعل العرب قد استفاقوا على خطر الكيان الصهيوني ومخططاته التوسعية التي جاهر بها ومضى في تحقيقها منذ قيامه. «الموس» وصلت إلى عقر دار الدول الخليجية التي كان من المفترض أن تواجه العدو الصهيوني بهذا الزخم منذ بدايات الحرب على غزة والاعتداءات اليومية والمتكررة على لبنان وسوريا، وليس الهرولة إلى عقد اتفاقيات التطبيع باستثناء المملكة العربية السعودية التي ما زالت تشترط حل الدولتين ثم التطبيع.
ولطالما كانت المسألة الفلسطينية هي المحور الأساس في معظم القمم العربية التي بدأت بالانعقاد منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945 وكانت بنداً رئيساً على جدول أعمال القمم العربية العادية والطارئة. فإلى اليوم عقد القادة العرب 65 اجتماعاً على مستوى القمة، منها 19 قمة طارئة أو غير عادية. وكانت المسألة الفلسطينية على الدوام محورها، وظلت الهاجس الأكبر في جميعها. ورغم أهمية هذه القمم منذ قمة أنشاص الأولى عام 1946 في مصر، من الأهمية بمكان التذكير بأهم القمم التي عقدت وحملت بياناتها قرارات مهمة، مثل قمة الجزائر في تشرين الثاني 1973، التي دعت إلى الانسحاب «الإسرائيلي» من جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس، وقمة الرباط في تشرين الأول 1974، التي أكدت ضرورة الالتزام باستعادة كامل الأراضي العربية المحتلة في عدوان 1967، واعتمدت منظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني. وقمة فاس في أيلول 1982 التي أقرَّت مشروع الملك فهد للسلام. وقمة الجزائر في يونيو 1988 بهدف «تقديم الدعم للانتفاضة الفلسطينية».
وظلت القمم العربية تتتالى كلما كان الخطر محدقاً بفلسطين وبكامل أمتنا. فانعقدت قمة غير عادية في الدار البيضاء في 23 أيار 1989، وقمة بغداد غير العادية في أيار 1990 التي غاب عنها لبنان وسوريا، ثم في العام نفسه عقدت قمة القاهرة غير العادية في 15 آب إثر الغزو العراقي للكويت. وفي عام 1996 عقدت قمة القاهرة غير العادية تلتها قمة ثانية في القاهرة في تشرين الأول 2000 إثر أحداث العنف التي تفجرت ضد الفلسطينيين بعد أن دخل رئيس وزراء العدو آرييل شارون الحرم القدسي الشريف. ثم كانت قمة عمان في 28 آذار 2001 وقمة بيروت في 27 آذار 2002 التي دعت إلى الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة حتى خط الرابع من حزيران 1967، بما في ذلك الجولان السوري، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.
وفي عام 2003 كانت قمة شرم الشيخ، ثم قمة تونس عام 2004 التي تمسكت بمبادرة السلام العربية كما اعتمدتها قمة بيروت عام 2002 مع التعهد بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وإلى أهمية القمم التالية لا بد من الإشارة إلى القمة العربية – الإسلامية الطارئة التي عقدت في تشرين الثاني عام 2023 في الرياض رداً على التصعيد «الإسرائيلي» في قطاع غزة، وقد دعت السعودية إلى «قمة متابعة عربية إسلامية مشتركة» في تشرين الثاني 2024، لبحث استمرار العدوان «الإسرائيلي» على الأراضي الفلسطينية ولبنان، والتطورات الراهنة في المنطقة. وأخيراً، جاءت «قمة فلسطين» الطارئة في القاهرة خلال آذار 2025 لمواجهة تحدي التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، وصياغة موقف عربي موحد رداً على خطة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزة. وبذلك يمكن القول إن المسألة الفلسطينية كانت وما زالت المحرك لعقد آخر القمم العربية. إلا أن الاعتداء «الاسرائيلي» على دولة قطر دفع إلى رفع سقف اللهجة في البيان الختامي للقمة العربية الاسلامية الطارئة في الدوحة في 9 أيلول الحالي والذي دعا إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع «إسرائيل»، ومباشرة الإجراءات القانونية ضدها، ودعم الجهود الرامية إلى إنهاء إفلاتها من العقاب ومساءلتها عن آثارها وجرائمها، وفرض العقوبات عليها، وتعليق تزويدها بالأسلحة والذخائر والمواد العسكرية أو نقلها أو عبورها.
كما دعا الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي إلى النظر في مدى توافق عضوية «إسرائيل» في الأمم المتحدة مع ميثاقها، بالنظر إلى الانتهاكات الواضحة لشروط العضوية والاستخفاف المستمر لقرارات الأمم المتحدة، مع التنسيق في الجهود الرامية إلى تعليق عضوية «إسرائيل» في الأمم المتحدة وأكد أيضاً على أن السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط لن يتحقق بتجاوز القضية الفلسطينية أو محاولات تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، أو من خلال العنف واستهداف الوسطاء، بل من خلال الالتزام بمبادرة السلام العربية وبقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
قمة الدوحة ركزت على أمن المنطقة العربية الذي يجب تفعيله، واعتُبرت «قمة الرسائل التحذيرية واستعادة المبادرة تجاه »إسرائيل« وأيضاً تجاه الولايات الأميركية نفسها». ويمكن القول إن البيان الختامي للقمة ركز على أن «إسرائيل» دولة محتلة لا تهدّد فلسطين ودول الجوار لفلسطين فحسب، بل تهدّد المنطقة بأسرها، ما يستوجب مواجهتها بكافة الطرق لوضع حدّ لاعتداءاتها.وأعاد التأكيد على دور قطر المحوري في الوساطة في حرب غزة بالشراكة والتعاون مع مصر والولايات المتحدة الأميركية، والتشديد على أهمية هذا الدور، مما يستوجب إعادة النظر بالاتفاقات التطبيعية التي عقدت مؤخراً وإلغائها من جهة، والتعويل على استمرار موقف المملكة العربية السعودية الرافض لإبرام اتفاقية إبراهيمية قبل وقف الحرب على غزة والاعتراف بالدولة الفلسطينية من جهة أخرى. ويعد بند مراجعة أنظمة الدفاع الخليجية المشتركة ليس شأناً أمنياً خليجياً بحتاً، بل هو رسالة أيضاً إلى الولايات المتحدة حول إمكانية إعادة النظر في جدوى الاتفاقيات الأمنية المشتركة والتي لم تحمِ قطر من الاعتداء «الإسرائيلي».

